الجمعة، 9 ديسمبر 2016

حسين المناصرة : طواحين السوس، رواية، 2003، الجزء الأول.



حـسـين المـنـاصــــــــرة


طــواحـين الســوس




رواية

2003

 







الجزء الأول 

(1-15)


(1)

إهداء مختلف

إن الإبداع سكين حادة ( أو رؤى سيفيّة) تقطع  شرايين الدم التي تبدع لغة  معبّرة  عن معاناة حقيقية..
 يمكن أن تكون المعانة -  مثلاً - تجربة سنتين من الضياع بين طواحين السوس المنقوعة في امتدادات الفساد .. فتصير - بوصفك مبدعًا، مثقفًا، حواريًا، مختلفًا.. -  مطحونًا.. منبوذًا..محارَبًا (بفتح الراء) ..  مدهوسًا بين صوادم  سوس "الدكتاتوريات" الإدارية  الشريرة الفاسدة .. أو "دكتاتورية"   "البطرياركيين"؛ الآباء المزوَّرين  ذوي الشخصيات الانفصامية المنتنة .. ترى في وجوه الفساد  بقايا المسكنة.. والذلة..  والضعف..  وفي أفعال يديه  مقابر  الدود.. واليرابيع .. و" الدبابير" ..
كان "إميل زولا" يطحن ذاته في أرض الفساد.. ليكتب رواية واقعية نقدية.. ربما هذا ما يفعله - بالضبط -  الراوي / البطل ( زيد العامر )  في هذه الرواية المتخيَّلة أو الوثائقية.. سيان !!
وإذا كانت اللغة الإبداعية الحيَّة تولد من رحم الاختلاف لمحاربة  أجواف الفاسدين  آ كلي لحوم البشر، ومشوهي عقول الأصحاء، ومبتزِّي إنسانية المخلصين.. فإن زيد العامر  يهدي  هذه  الكتابة المقلقة، الموجعة، الدامية…. إلى أعداء المدير  العام  "  طَشَّان العَنْشُوبي"  البطل النقيض ( إن جاز هذا التعبير ).. بصفته  جوفًا بلطجيًا، ينزّ بطريركيةً، ونفاقًا، وشتائمَ بذيئة؛ تخرج  من مجاريه المتعفنة؛ على نحو: الصرمة..المنحط..الحقير ..(…) أمّك!! كلمات ينفثها دومًا  إلى الآخرين الذين  لا ذنب لهم سوى أنهم قرروا أن يحاربوا فساده  المنتن  منذ عشرات السنين!!
يبدو "  طشَّان العنشوبي"  الذي يقعي  على كرسي إدارة " الجامعة الطَّشُّونيَّة المفتوحة"  في تصور زيد العامر  منذ بداية العلاقة بينهما  أنه "صديق"  منافق ..وفاسد أيضًا .. يؤمن بذاته إلى حد الجنون.. وكانت لغة المخلصين – في إدارته  الطشُّونية- تذهب هدرًا في أزمنة امتلاء البطون  بأموال اليتامى ..وخرافات التهافت  على بيع  كلمات الوطن المسلوب بأثمان  الهاربين من جنان المواجهة إلى خرائب الدكاكين " السياسية"  وبيع الذمم "الوطنية"!! لكن زيد العامر قرر أن يصبر  صبر أيوب ليخدم  أهله ويحميهم  من  عنكبوتية "  طشَّان العنشوبي" ، فكان " يقوم في الصباح  من فراشه مثل الحصان ، ويذهب  إلى الجامعة الطشُّونية المفتوحة  مثل الغزال، ويكدّ في العمل مثل الحمار ، ولا يهز ذنبًا للمدير العام مثل الكلب ، ويلاعب  أطفاله مثل القرد ، ولا يتصرف أمام زوجته مثل الأرنب ، كما كان يتصرف  طشَّان العنشوبي " ..!!
كنت ( أنا زيد العامر ) مخلصًا ..وكان  طشَّان العنشوبي  المدير العام  في إدارة "الجامعة الطشُّونية المفتوحة " شايلوكيًا " يتقنُ مصَّ الدماء .. فإليكم أيها القراء الأعزاء أهدي هذا النص السردي،  غير السِّيري على أية حال .. هل تجدون هذا الإهداء مختلفا؟! ربما !!
تأكد ..وتأكدي..   أن  "  طشَّان العنشوبي" وأمثاله  يحقدون  علينا  لأننا نحب الله، ثم الوطن ، ثم إنسانيتنا ..ونكره الاحتلال الصهيوني .. والعمالة… والفساد .. ولأننا – في نهاية المطاف – مخلصون، يحقدون علينا..يكظمون الغيظ  وهم  يرون الحب يملؤنا .. والحقد يملؤهم .. ترونهم فُجّارًا .. تمتلئ جيوبهم  بسموم  الضغينة  والمؤامرة  وأكل أموال اليتامى .. يتامى شعبنا اليتيم  المرابط .!! كـأنهم سماسرة  وجزَّارين .. وطواحين سوس تنخر في  أجسامنا ..لا فرق بين عملاء الاحتلال الصهيوني والمرتشين من فئة الطشَّانيين العنشوبيين!! .. لا فرق فيهم بين الخونة ومصاصي دماء الشعوب !!  لا فرق  فيهم بين الصهيونية والانتهازية  والمحسوبيات .. !! لا فرق فيهم بين مافيا  المخدرات ومزوِّري نتائج الطلاب في المدارس والجامعات !! لا فرق فيهم بين القنبلة المحرَّمة دوليًا، وتستخدمها إسرائيل ضد انتفاضة شعبنا، وقنبلة الفساد  المؤسساتي  التي تنخر طواحينُ سوسه  دمَ الفقراء والمحتاجين!!
إن الطَّشَّنة  جريمة فساد ..والعنشُوبيّة  أيضًا جريمة فساد .. فهيا نحارب جريمتي المفسدين   بلغة  يُفهم مما وراءها أكثر مما يقال  منها!!
هل تعتقدون أنني  جاد في هذه الكتابة ؟! ربما !!
نعم ، إليكم أهدي هذه الكتابة المجروحة بسكين الرحمة ..محذرًا  من أن تصيروا يومًا ما:  طشاشنة أو عناشبة !!







 (2)
طواحين السوس
    ( بقايا سيرة الراوي زيد العامر )
                                                             
-         ما الذي  جعلك تعيش عامين في مستنقع  السوس الطَّشُّوني ..تطحنك طواحينه .. تمرض .. تتألم.. تفقد الشهية في مواجهة الآخرين.. تخسر كثيرًا  في مكافحة العَنْشَبة؟!!
-         لماذا  كنت مصرًا على المواجهة ؟!
-         أليس الأجدر بك أن تستمع إلى نصيحة صديقك المثقف ، وتعمل كما عمل " هملت " !!
-         وماذا عمل "هملت" ؟!
-          عندما رأى المفاسد كثيرة، ترك مواجهتها، وسار في شؤونه  المعيشية الخاصة !!
-         أليس الأجدى لك أن تستمع إلى نصيحة صديقك المقرب " المصلحجي" وتكتب سطرَي الاعتذار  عن تدخلك فيما لا يعنيك؛  لتنتهي المشكلة ؟!
-         أما كان من الأفضل لك  أن تستمع إلى نصيحة زوجتك المتآمرة عليك ، وهي تقول لك  :"إذا كانت الجامعة الطشونية المفتوحة الفاسدة تؤلمك إلى هذا الحد ، فلماذا تبقى فيها ..؟!  كأنَّ المعنى الوحيد لبقائك فيها، في تصورها  : أن فيها امرأة أخرى صغيرة السن  ؛ تريدها لك زوجة ثانية  بالسرّ ( مِسْيار) !!
-         أما كان  الأحسن لك أن تنسحب منذ اللحظة الأولى التي اكتشفت فيها خللاً .. وتعفي نفسك  الموجوعة  من مهزلة  أن تنتقدك أفواه الفراشين الطَّشُّونيين الخبثاء عندما تسلطهم عليك الرأس  الطَّشُّونية الكبيرة ؟!
لماذا لم تستمع لنصيحة قريبك الجاد: اخرج من الجامعة الطشونية المفتوحة الفاسدة، فأنت  لا تحتاج إلى دنانيرها المنتنة  في ظروفك  الجيدة.. إلا إذا كنت ترغبُ في البحث عن المشكلات والاستمتاع بها !!
قال لك أحد أصدقائك  المنافقين : مشكلتك أنك تقول: الحقيقة مباشرة .. وهي تحتاج إلى اللف والدوران  حتى تؤتي ثمارها !!
قال لك صديق مسالم  إلى حد الخنوع : أحسن شيء  هو أن تدخل إلى الجامعة الطشونية المفتوحة، وتخرج منها دون أن تلتقي أحدًا فيها.. مهمتك أولاً وأخيرًا  أن تنجز عملك !!
قال رجل عارف،  ومتعجرف أيضًا :
-         أنا أستغرب من  علاقتك بالفرّاشين .. يجب أن تضع حاجزًا بينك وبينهم ؟
-         ولكنهم أناس مثلنا !!
-          ليس في العمل ..الفوارق في العمل مطلوبة !!
قال لي المدير العام  طَشَّان العنشوبي  لما كانت العلاقة بيننا طيبة، قبل اكتشافي فساده :
-         أنت  انفعالي .. لا تصلح للقيادة ..أنت كاتب .. والكتابة لا تصلح للإدارة..
-         ومن قال لك: "إنني أريد الإدارة" ؟!
-          أعرف أنك  لا تطمح إليها.. لكنني سأدربك  عليها  رغم أنفك !!
قال لي الفأر الضاحك في عبي :
-    أنت فعلاً تبحث  عن المأساة .. تريد أن تخسر صحتك  لتعيش المأساة بكل أبعادها .. تريد أن تكتب رواية عن الفساد الإداري  : سميتها  أولاً " الانتهازي المسكين " .. ثم غيرت عنوانها إلى "بصقة في زاوية الشارع " ، ثم  إلى " طواحين السوس".. منذ أن عملت في الجامعة الطشُّونية المفتوحة ،فاسدة الإدارة  في تصورك ، وأنا أراك تبحث  عن حكاية سردية  تستحق أن تسكبها في ثوب روائي ..!!
-          كأنك تريد أن تذكرني بأيام السجن والمرض ‍‍!!
-         وهل تنكر ذلك ..؟!
-         لا.
-    كتبت رواية " الخربة " عن الضياع في متاهات السجون .. وكتبت رواية " الحوت" عن العلاقة بين السجن والسرطان ..وكتبت رواية "الخندق" عن الصراع بين الوطن وأعدائه ..وكتب رواية "الجنون"  عن ضياع المثقفين في عالم  السياسة ، وكتبت رواية :"الطير"  عن  مؤامرات  السلام  ..فهل ستكتب رواية " طواحين السوس" عن  الفساد الإداري .. النفاق المؤسساتي ..  اغتراب الأخلاق.. الإدارة بصفتها  مأساة اجتماعية ؟!
-           ربما !!
-     وستقول أيضًا ، الشيء الوحيد الذي أنت متأكد منه هو أن أحداث هذه الرواية  لا علاقة لها بالواقع من قريب أو من  بعيد بتاتًا ، وأية محاولة لربطها بواقع معين  في الأفكار أو الشخصيات  هي محاولة  المصادفة المحضة  لا أكثر ولا أقل ..هذا الإعلان بحد ذاته  يؤكد إخلاء مسؤوليتك – كما تزعم -    خلال أية  مواجهة محتملة مع أية مساءلة قانونية  طشُّونية ، يرفعها بعض الطَّشُّونيين ضدك.. مصرًا على أنك لم تتحدث عن " طَشَّان العنشوبي" ..أو عن شخصية تشبهه ..إن كان فعليًا موجودًا في الواقع!!
-          بالتأكيد ، ما تقوله هو رأيي  على وجه التحديد!!
-          عمومًا الذي على رأسه بطحة يتحسسها ..حتى لو كان موضوع الرواية مستمدًا من  بلاد "واق الواق"..!!
-    لا توجد – من ناحية أخرى- أفكار واضحة  عن فساد ما .. الكتابة قصيدة شعرية  تكشف  عن مشاعرنا تجاه الأشياء التي نحبها ونكرهها.. نحب الجامعة  المفتوحة  لذاتها .. ونكره من أجلها   من يستغلونها لمصالحهم  الطَّشُّونية الآنية المبتذلة ..فتصير على هذا النحو  حبَّنا الذي يستغله الطَّشُّونيون العنشوبيون ..
قد يكون الاستغلال في وضعيته محدودًا جدًا .. لكنَّ معناه  في الكتابة كبير جدًا ..فمن يخلع نبتة جورية مزهرة من حديقة الجامعة الطشُّونية المفتوحة؛  ليزرعها في قوارة  سوداء يضعها  على مدخل شقته الكئيبة،  يحكم على الورود كلها بالإعدام  نفيًا  ويتمًا .. ويتجرد  داخله من الإنسانية الخضراء التي سيقبر مكانها الشوك الأصفر الجاف ..
من  يعالج طواحينه الطشُّونية  مجانًا عند طبيب الأسنان على حساب  الإخلال بلائحة الجامعة  المفتوحة   الداخلية  هو  انتهازي  بكل جمالية قبح  هذه الكلمة ، حتى وإن  عدّ بعضنا ممن يترفع عن  صغائر الأمور  تصرفه  هذا تصرفًا طشُّونيًا  " بسيطًا " مقارنة بمافيا الفساد الطَّشُّوني  التي تستورد  الإسمنت العربي ليُبنى به الجدار الصهيوني  العنصري العازل..!!
من يطرد  الأرملة الكفء ، ويعين  مكانها  الطَّشُّونية اللعوب الجميلة  يجرم في حق الله،  ثم حق المساكين..
من يزرع  بين موظفي الجامعة الطشُّونية المفتوحة  وطلابها الفتنة .. والغمز واللمز .. والضغائن .. والمحسوبيات.. والرشاوي .. والنفاق .. بدلًا من  أن يزرع الريحان والنعناع والحبق..يتخلق بأخلاق  طشَّنة القراصنة  وقطاع الطرق الذين كانوا يصلون صلاة الفجر، ثم يدعون الله أن يرزقهم رقاب حجاج  بيت الله الحرام ؛ ليسلبوهم أموالهم .. وربما أرواحهم!!
من  يبسط الكلام في الوجه .. ويشتم الأعراض في القفا .. يستحق جائزة النفاق الطَّشُّونيّة الأولى!!
 ربما تجدون في هذه الرواية  طَشَّنة مؤذية وحقيرة..لكنني  أرجو الله أن يكون  الهدف من هذه الكتابة إصلاح النفوس .. وتربية الأخلاق ..وتحسين العلاقات بين  ذوي القربى ..وتحرير مؤسساتنا الفلسطينية من طَشَّنة الفساد .. آمين !!
قد تجدون أني أبالغ .. ربما !! لكن تأكدوا أني أحب فلسطين كثيرًا ..لذلك أكتب  روايتي  هذه كما كتبت رواياتي  الخمس السابقة كلها دفاعًا عن حبي لفلسطين  في وجه طشَّنة أعدائها مهما تصاغروا   في أحجامهم  الحشرية !!
وتقبلوا تقديري وتحياتي .
                                                                   عمكم المخلص زيد العامر.







(3)
بصقة في زاوية الشارع

                                                                   
ليس بإمكانك أن تفعل شيئًا ذا بال، يرد إليك كرامتك التي انساحت  كزئبق تلون بالألوان كلها  أمام حشد من الناس الطَّشُّونيين..كنت صامتًا ، مشلولاً ، ربطتْ لسانك جنازيرُ  يصعب حملها !!
كان الرجل السبعيني (  طشَّان العنشوبي)  الذي بدا -في الماضي -  لطيفًا  ، يطفح بكيل من الشتائم  ، تنزُّ منها  أسماك نتنة، عافتها نفس المرأة الأرملة  عندما عرض عليها السمَّاك الطَّشُّوني  أن تأخذها مجانًا ..
توقفت كثيرًا أمام تلك الحالة السكونية الجنونية  التي حاصرتك ، فجعلتك أعمى غير قادر على  ردِّ الصاع صاعين ، أو في الأقل  أن ترده صاعًا واحدًا، وفي المستويات الدنيا : ربع صاع.. السن بالسن والبادئ أظلم .. يداك مشلولتان .. وربما  هناك وظيفة وحيدة لرجليك ، أن تسندا طولك المتخشب الذي  كاد أن ينزاح  إلى  العجوز الطَّشُّوني السبعيني  الثائر كحبة "بوشار"  في مقلاة  محروقة ..
هذه الصورة الكاريكاتورية  تحديدًا أضحكتك في داخلك لثوانٍ..  كيف استطاع هذا العجوز الطشُّوني  الذي بدا - في الماضي -  قبل هذه اللحظة  وديعًا  أنيسًا، تأكل القطة عشاءه .. أن يتحول  إلى هذه الحالة الجنونية  من التوتر .. حالة كادت أن تلقيه أرضًا  ضحية ذبحة دموية..حينها سيقولون  عنك:  قتلته ..!! تماسك .. وكن  بليدًا تجاه ثورته .. دعه يأخذ سلطانه في نزِّ الشتائم .. كن واثقًا من نفسك بأنك  أكبر من  هذه الشتائم أو غيرها .. الحليم هو من يخنق نفسه ساعة الغضب .. تمهل جيدًا في معالجة الموقف .. علّق حبلك  في لمبة الكهرباء ، واختنق به  بكل أريحيَّة.. كن جَلِدًا في مواجهة  الحمق.. قل :سلاما..!!
 ألا يحلو لك أن تضحك  إلى حد الإغماءة ،  وأنت ترى صديقك العجوز الطَّشُّوني  يتحول  إلى حبة "بوشار"  في مقلاة محروقة !!
 لن يشتمك الفضوليون على  هذا الموقف الساكن السلبي  في تصورهم.. لقد تعلمت  من زنازين التحقيق أن ينبطّ المحقق الطَّشُّوني  الصهيوني  غيظًا، وأنت تقول له في أقلّ من مهلك : " لا يوجد عندي شيء أعترف به "!! 
لا يجوز  أن تتصرف بقسوة مع هذا الصديق الفاسد المنهار.. أو ربما  عليك أن تثور  ثورة صغيرة  لتشعره بوجوده .. فالصمت يقتل.. يدمي أكثر من السيف.. أي سيف؟!  قل قنبلة انشطارية !!
عندما فَصَلَ الآخرون بينكما ، أو بالأحرى  أبعدوك عن يده التي استطالت لتضربك  ، وربما خوفًا  من ثورة ما  تخرجك عن طورك، حينها  قد تمدد الصداقة  المخدوعة التي في داخلك ، على  "موكيت" الغرفة  الأنيقة ،  وتدوسها بحذائك  الأسود الذي اشتريته قبل عامين  من بالة  الأحذية الإيطالية ..
حوقلت ..استغفرت ربك .. لعنت الشيطان  في  بضع ثوانٍ .. كيف تُمَدَّدُ الصداقة الواهمة التي  فيها  " عيش" .. "خبز" لتدوسها ..!! لحظات من الإنسانية  تأكلك ..تشلك .. تخنق  الكلمات.. فلا تتمكن من الرد على " النز" اللعين .. ها هو صديقك  العجوز الطَّشُّوني "الشاعر المتقاعد" الفاسد، يتحول إلى " حبة في المقلاة" .. حبة "بوشار"  طشُّونية أو سمسم أو فاصوليا .. سيان!!
كنت ذاهبًا إليه ؛ لتعتذر له – من أجل سنِّه الطَّشُّوني السبعيني-  عن أخطائك  وأخطاء الآخرين .. قررت حينها أن تتناسى أخطاءه الكثيرة.. وفساده  الذي يشل كيانك كله من ساسك إلى راسك .. هكذا تكون الصداقة غير الآيلة إلى الانهيار : أن تنقذ غريقًا طَشُّونيًا  يختنق بالفساد ، يعني أنك مخلص  لذاتك، فتجرّه  إلى التوبة قبيل موته الذي غدا  في مثل عمره  على وشك ..الأعمار بيد الله!! إنا لله ، وإنا إليه راجعون  !!
كان الموظفون الطَّشُّونيُّون  يتحلقون حول طاولته في اجتماع الإدارة العام .. وما أن رآك حتى  تصارخ بأعلى صوته :
-         اخرج  من جامعتي يا حقير ، يامنحط ، يا صرماية، …إلخ.
-         أنت في عمر أبي ، ولا يجوز  أن  أرد  عليك…….
-         أنا لا أتشرف أن أكون  " أبوك" ..صرمايتي أشرف منك ومن " أبوك"  ومن أهلك  ومن كل " حمولتك" يا منحط يا حقير !!
-          ومع هذا أنا جئت لأتفاهم معك !!
-         اخرج  من جامعتي ، ولا تعتّبها  يا حقير  طول عمرك ، وإذا عتبتها سأكسر رجلك !!
-          هذه الجامعة  لفلسطين ، وليست لك !!
-     هذه جامعتي.. أنا الذي بنيتها بعرقي ،  هذه الجامعة لهذه الكرسي التي أجلس عليها ، اخرج  يا حقير .. أعطيه يا بنت ( يشير إلى مديرة مكتبه) خطاب الفصل !!
     تناولت  خطاب الفصل .. كان يزمجر  كحبة "بوشار" في المقلاة ..
 ماذا بإمكانك أن تفعل تجاه هستيريا طشُّونية  تنزّ بالشتائم ؟!
-         الحق عليّ يا حقير ، كانوا يريدون طردك ليس من الجامعة ، فحسب ، وإنما من البلد كله ، وأنا من منعهم !!
-     جزاك الله خيرًا ، أنا لي عشرون عامًا في البلد بسيرة ناصعة كالبياض ، وأنت لك شهران أسودان .. غدوت  أنا مسكينًا ..وأنت صرت من أصحاب النفوذ!!
لم تعرف كيف خرجت  من الجامعة الطَّشُّونيَّة المفتوحة  !!  توقفت للحظات  على ناصية الشارع  قرب باب الجامعة  الخارجي ، نظرت إلى زاوية  الحائط التي تجمعت فيها بقايا نفايات قديمة.. كان فمك يمور  بلعاب  له طعم العلقم ، وتحديدًا طعم رائحة السمك  الطَّشُّوني النتن.. بصقت في الزاوية ..ثم سرت  على  الشارع مشلول  التفكير للحظات !!





 (4)

الطَّشُّونــيُّون


السماء تمطر بغزارة ؛ تفرح الأطفال الهاربين من بيوتهم إلى الشوارع الدافئة  ..

 قلب  طشَّان العنشوبي  يحترق كرهًا وضغينة، يمتلئ بالطشُّونيين الذين سيسلطهم  على من ينتقدونه..ليس مهما أن يكون على حافة قبره .. المهم  أن سماء قلبه لم   ولن  تعرف  كيف تمطر الرياحين !!

يفتخر بأن لديه في كل مكان يذهب إليه  عددًا من هؤلاء  الطشُّونيين الهوائيين الانتهازيين المحتاجين  المسبوكين للتلاعب بهم ، فيسلطهم بطريقته الخاصة  الباسمة المازحة اللعوبة  على أي كان.. حينها يجد نفسه تنتشي براحة  عارية من  أية مواجهة تتعب قلبه الساكن  بين ضلوعه التي يئست  من الخفقان  الطشُّوني الأسود رغم أنفها..

لعبة أتقنها منذ أن كان طفلاً " يحرّش " الأطفال بعضهم على بعض .. والنهاية أنه يصادق الجميع،  ويعاديهم في الوقت نفسه ..
اللعبة نفسها يلعبها بحبكات  متنوعة مع الكبار  والصغار في زمن إدارته الطشُّونية المبتذلة..
-       عندما يأتيني أي واحد من المحتجين أنفخه كالبالون مدحًا وإطراءً .. وبعد أن  ينصرف ألعن (….) أمه أو أخته..يكون هذا لمرة واحدة .. بعد ذلك  أسلط عليه   واحدًا من هؤلاء الطشُّونيين الوسخين، الذين ألبسهم أحذية في قدميّ  ...
-          …………..
-         لو ما جئت إلى هنا ما استرزقتم !!
-         ……..
-         عندما تشمون رائحة  الفلوس .. تركضون إليها!!
-         ………
-    نهبوني .. في الصباح أعطيتهم خمسة دراهم  لشراء قارورة ماء ..  والآن يريدون قارورة أخرى .. نكبوني ..قبل ثلاثة أيام  أعطيتهم ثلاثين درهما لشراء  كيلو قهوة .. والآن يريدون كيلو  أخرى ..
-          ……
-          مالك ، يا زيد ، ساكت ؟! تكلم !!
-          قرأت المجلة الطشُّونية ، ووجدت فيها سبعين خطأ في الأقل!!
-          أخبروني أنها جاهزة في المطبعة .. سأتصل بهم ليوقفوا الطباعة !!
-         ………
-         ألو.. اسمعي يا بنت ، لا تطبعوا المجلة ، فيها أخطاء كثيرة ، قرأتها فوجدت فيها أكثر من سبعين خطأ جوهريا ..
-          هذا جدول الدوام الطشُّوني للسنة القادمة ، شغلني  وضعه ثلاثة أيام ..
-          سأخبر الرئيس ….  ألو…  وضعت جدول الدوام .. شغلني وضعه ثلاثة أيام ، سأبعثه إليكم  بعد ساعة عن طريق "الفاكس" !!
-          اتفقت مع شركة توريد المعدات  على أن تعطينا خصمًا ، قدره خمسون بالمئة !!
-     سأخبر مندوب الإدارة  الطشُّونية المركزية….ألو..اسمع : العملية انتهت ، استطعت بعد مشقة، لا يعلمها إلا الله،  أن أحصل على خصم نصف المبلغ !!
لم تعد السماء تمطر.. صار الحر خانقًا .. والأشياء داكنة ..
صرخ في وجه الأرملة التي قدَّمت له فنجاني القهوة ، قال لها :" ألم أقل لك ألف مرة  اعملي لي فنجان قهوة من البن الخاص، البن الرخيص  - كما أعلمتك -  للضيوف العاديين .. نظرت المرأة الحزينة إلى وجهي..وانسحبت  بامتعاض..
 رفع كتابه، المسلوق قصًا ولصقًا، الضخم  أمام عيني !! k أن تأن تعطينا  أن أن تعطينا أنة    
-         أريدك أن تصحح كتابي، وسأعطيك مئتي درهم!!
-         هذا الكتاب لا يصحح بأقل من ثلاثة آلاف درهم !!
-          يا إلهي ! كم تحب الفلوس.. سأصححه أنا!!
كان الفأر يضحك في عبي.. وحرارة الشمس تبدو لهيبًا فوق رأسي ..  أو هكذا تصورت نفسي عندما خرجت إلى الشارع العام.. أفتح له باب سيارتي  العتيقة ؛ لآخذه إلى طبيب الأسنان؛ كي يصلح له  ما أفسد الدهر من طواحينه الطشُّونية  المنخورة .. طبعا مجانًا !!
****
قلت له في لحظة اختناق  الدلو القابع في داخلي، وهو دلو غير طشُّوني على أية حال :
     - خرَّبت "  الجامعة الطشُّونية المفتوحة " هناك،  وتريد أن تخربها هنا …
 ثار  ثورة بركان ، مشبع بصهد الصخور الطشُّونية ومعادنها الفاسدة..
-         لا تتدخل  في الجامعة الطشُّونية ..اخرج  من هنا !!
-          ……….
بدأت لعبة التسليط الطشُّونية ..فتح " مزراب" مجاري طشَّنة حارات الطفولة !!
الأفاعي تتناثر بألوانها الطشُّونية المختلفة، تقتل واحدة فيولد من أحشائها عشر..
العقارب تتناثر بألوانها الصفراء المتنوعة، تقتل واحدة  فيولد من أحشائها مئة..
تصرخ عندما  يحاصرك تسليط الوجوه الطشُّونية " الفاسدة" المخيفة ..تشعر بالاختناق ، واحتجاب الرؤية..
تصحو من نومك يابسًا وفزعًا ..تنظر إلى وجهك في المرآة .. ترى آثار لسعة بعوضة.. تحمد الله أنك  كنت في كابوس طشُّوني!!
تغادر البيت إلى " الجامعة الطشُّونية المفتوحة" .. تحيط بك وجوه التسليط المأجورة ..
-         لن تدخل إلى الجامعة حتى تعتذر كتابيًا!!
-          أنا  "العظيم" كما كان يقول الطشُّوني الكبير!!
-         هذه أوامر طشُّونية جديدة !!
تنظر إلى الوجه التسليطي الأول.. تراه ينزُّ قبحًا طشُّونيًا..
يضحك الفأر في عبك، وأنت تتخيل هذا الوجه  ينقلب إلى وجه قرد طشُّوني مجدور !!
-         أنا أعتذر خطيًا أو أرحل؟! سبحان الله ما أعظم شأنه!! يمهل ولا يهمل!!




(5)

العنشوبيّة


يسيرون معًا ..كأنهم ثلاثة أعواد  طشُّونية معوجة  تتفرع من نبتة  غريبة نمت قرب مجاري المدينة المنتنة..
   طشَّان العنشوبي ، الطالب الطشُّوني، الفرّاش الطشُّوني!!
تناثر الرز من أفواههم الضاحكة فوق بقايا  لحم التيس  في الصحن الكبير  الذي  أعدته والدة الطالب الطشُّوني ..كاد الفراش الطشُّوني أن يختنق ضحكًا بعد أن رآهما يضحكان  إثر حديثه عن خبثه العنشوبي !!
قال لهما :  قلت لتيسون: الأستاذ زيد العامر يقول عنك  تُسمسر  في صرف أموال الجامعة  الطشُّونية المفتوحة !!
ضحك  طشَّان ،وكاد أن يفلت منه قاعه أمام تلميذه الطشُّوني..فتماسك في اللحظة الأخيرة!!
يبدو التلميذ مؤدبًا في ضحكه ..فهو أكبر من حجمه .. رسب ثلاث مرات في شهادة الجامعة العامة ..وهذه المرة الرابعة  يأمل في  أن تساعده   الدروس الخصوصية على يدي   طشَّان العنشوبي.. .. صحيح أنه يحترم الأستاذ زيد العامر في داخله .. لكنه يجاري أستاذه الطشُّوني الكبير والفراش الطشُّوني  في أكل لحم العامر مع لحم التيس.. ويبالغ  في النفاق، فيقول لطشَّان :" إذا أزعجك الأستاذ زيد ، فأخبرني حتى أخرب بيته عن طريق معارفي في الدوائر الحكومية !!".
يحاول  طشَّان أن يوحي دومًا للأستاذ زيد العامر أنه لا يضحي بالصحبة القديمة بينهما..ويرجوه  أن يخفف من  مرارة لسانه  في  شتم الإدارة !!
نظر إليهما الفراش، وقال بخبرة النمامين العنشوبيين، وهو يمضغ قطعة لحم أتعبت أسنانه شبه المتساقطة : "صار وجه الأستاذ زيد مثل " الكركم"  لما عرف أن تَيْسُون غضبان عليه"..
"انطعج"   طشَّان العنشوبي  على ظهره من الضحك ، فتناثر الرز هذه المرة على وجْهَي رفيقيه اللذين يبالغان في الضحك أيضًا .. قرف الطالب الطشُّوني.. ولم يقرف الفراش، فالتهم "دقموسًا "  كبيرًا، ثم تابع حديثه  غير الواضح:
-                    سأذل لكم العامر ذلاً لم يعرفه  في حياته !!
يكره   طشَّان  فرّاش الجامعة  ، لكنه يستفيد منه ، يكفي أنه يصلح للتسليط  على الآخرين الذين  يكرهونه، ويذمون إدارته ..كما أن ثمن الفراش لا يتجاوز أن يجره معه إلى وليمة من ولائم طلابه الطشُّونيين ..وقد يعطيه أحيانًا بقايا  مئة درهم  بعد أن يشتري هذا الفراش  لطشَّان سمكًا  من السوق البعيدة..
يذهب الفراش إلى الأستاذ زيد العامر ، يتمسح به ، يشتم  طشَّان  أمامه ، ويتحدث عن فضائحه.. وفي الغالب ،عندما ينتبه الأستاذ زيد إلى كلام الفراش ، يطلب منه أن يسكت..فيسكت على مضض..
قال الفراش : بصراحة يا أستاذ زيد، تَيْسُون يسمسر، و طشَّان  يحب معاكسة النساء.. والطالب  يأخذ  إليهما الخمرة ..  ويسكرون الثلاثة في ديوان تَيْسُون!!
قال الأستاذ زيد العامر : هذا الكلام لا يهمني !!
قال   طشَّان للأستاذ زيد : تَيْسُون يسمسر ، يأخذ ثلث ناتج الجامعة الطشُّونية المفتوحة لجيبه الخاص..ويسعى إلى أن يجعل ابنه مديرًا للفرع  الجديد  في المدينة المجاورة..الفراش " كندرة" وسأذله حتى يُقبِّل حذائي .. الطالب.. لو رأيت بيتهم .. من المؤكد أن " أبوه" يتاجر بالممنوعات (مخدرات أو نساء..) .. الطالب نفسه فصل من ثلاث جامعات .. وجاءنا إلى الجامعة الطشُّونية المفتوحة يريد منا شهادة  بـ" السلبطة" ..
قال الأستاذ زيد:  هذا الكلام لا يهمني !!
قال الطالب  للأستاذ زيد : صدقني يا أستاذ، إنك الوحيد الذي أحترمه في هذه الجامعة الطشُّونية المفتوحة، وقد دافعت عنك  في ديوان تَيْسُون ، قلت له : الفراش هو الذي قال عن تَيْسُون يسمسر.. ولست أنت!!
قال الأستاذ زيد: هذا الكلام لا يهمني!!
جاء  طشَّان مكفهرًا : أستاذ زيد .. أنت مفصول من الجامعة ..
-         لماذا ؟!
-         لأنك تشوه سمعة الإدارة .. وديوان تَيْسُون!!
-         لم أقل عنه سمسارًا ،كما  نقلوا إليه!!
-         هذا غير مهم .. المهم أنك مفصول !!
-    أنا قلت : يبدو أن إيجار  مبنى الجامعة الطشُّونية المفتوحة فيه سمسرة ، كان ذلك عندما سألوني عن إيجارها !! ودائما أسمعهم  يتحدثون عن سمسرته !!
-         انتهينا ، يا أستاذ زيد، انتهينا .. أنت مفصول !!
-         كلام نهائي..؟!
-         أكيد!!
    ضحك  فأر الأستاذ زيد العامر في عبه، حتى كاد أن أن يغمى عليه من شدة الضحك ..ردد بصوت مرتفع، عندما رأى  صاحبه  العامر يحمل حقيبته العتيقة : "   شرّ البلية ما يضحك  "…













(6)

القرار غير الطَّشُّوني !!

    لم يطق  زيد العامر السكوت  عن تصرفات  طشَّان العنشوبي ، على الرغم  من محاولاته الأخيرة في التصالح معه.. بطانته الطشُّونية  غدت مثله ..كلهم انتهازيون ، يتزلفون ، يتغامزون ، لا ينتقدونه علانية .. لكنهم أفواه  مشرَّعة النوافذ، تنزّ غيبة على سماعة  الهاتف أو في الزوايا المخفية عن عينيه..!
فتح الحاسوب، بدأ يكتب خطابه إلى الرئيس..انسابت كلمات الفقرة الأولى انسياب نهر تدفَّق فجأة:
… من الضروري  أن تعرفوا  معاليكم بعض التصرفات  غير المريحة  التي لا تليق  بمستوى الجامعة الطشونية المفتوحة  الذي نطمح إليه ، على الأقل من وجهة نظري، بصفتي عاملاً  في هذه الجامعة الطشونية المفتوحة التي لا أعتزُّ  بانتمائي إلى كادرها الوظيفي...
توقف فجأة ، كطفل بخعته أمه وهو يسرق بيضة ، احتار كيف يبدأ  حديثه .. الأفضل أن  يتحدث عن نفسه :
…كاتب هذه الرسالة  هو "زيد العامر"، يحمل درجة الدكتوراه، ويعمل أستاذًا في جامعة أخرى محترمة  منذ عشرين عامًا. يقيم في فلسطين قبل أن يأتي إلى هنا، وقد صدر له: ثلاثة كتب فكرية،وخمس روايات ، وأربع مجموعات قصصية،ونشرت دراساته ومقالاته في أكثر من مئة جريدة ومجلة، وقدم محاضراته  وقراءاته  في منتديات ومؤتمرات عديدة..والمهم في ضوء ذلك أن الطموحات  لديه – وهنا الإشارة مهمة حتى لا تكون الغاية من هذه الرسالة " كاني ..وماني" - تساوي صفرًا.أموره  المالية، والحمد  لله، جيدة، إنما صحته على قد حالها  بسبب وعكات نفسية قاسية..  سجن  سابقًا في ثلاث دول بسبب انتماءاته السياسية !! وهو اليوم يهدد بالسجن في دولة رابعة، بسبب محاربته للفساد!!
أعاد النظر في الفقرة الثانية ، شذبها ، تابع بانزعاج شديد كتابة الفقرة الثالثة:
هكذا وجد نفسه منذ أن جاء  طشَّان العنشوبي إلى هنا،  يتخلى عن أعماله كلها خارج نطاق محاضراته الجامعية، ومنها:كتابة مقالته الأسبوعية في الجريدة، وتدريس ثلاث ساعات إضافية  من خلال الشبكة العنكبوتية في جامعة أهلية ، وتقويم بعض الكتب العلمية،  والمشاركة  في الكتابة والتحرير للموسوعات المزدهرة في أزمنة  النكسة ..استمر هذا التخلي حوالي سبعة أو ثمانية  أشهر،كرَّسها في تأسيس الجامعة الطشونية المفتوحة ..سخَّر نفسه، وسيارته، وأهمل بيته،كان  مثابرًا في التأثيث، والمشاوير، وتنقلات طشَّان العنشوبي ، يداوم يوميًا في تسجيل الطلاب ،حتى قال الناس  عنه : هو من أسس الجامعة الطشُّونية المفتوحة،وكان طشَّان العنشوبي طرطورًا طشُّونيًا ، يكتب إلى سعادتكم ما يتبناه لنفسه من  أعمالي .
كان يصحح خطابات  طشَّان إلى سعادتكم ، وهو يضحك في عبه من غباء تدليسه في نسبة الأعمال إلى نفسه، مع أن هذا الطشَّان العنشوبي الجحود  يقول له دومًا : "إن الله يسرك لي  على طريقة المعجزات .."  وهو المسكين  تربى في عائلة تقدِّر الكبار ، فكان  دومًا يشعر أنه تورط في هذا العمل  المجاني، وخاصة تجاه آمال طشُّونية   تشعره  دومًا  بأنه لن  يتخلى عن  طشَّان ؛ فيضعه  لعبة في أيدي الذين عينهم سيده تَيْسُون قبل أن يجيء  إلى هنا ، وكان   طشَّان يصف من عينهم تَيْسُون بأنهم لا يستحقون مقابل عملهم  عشرة دراهم!!
توقف القلم ..لم يستطع أن يتابع .. صارت اللغة ثقيلة ، خاصة أنه في خطابه  سيمجد أعماله ، وهنا سيقع في دائرة الشك !! هل عمل أعماله لوجه الله ثم خدمة لوطنه  أم  للطموحات الشخصية التي قد تفهم من خطابه .. عليه أن يكتب رسالة إدارية تشير إلى الأخطاء مباشرة ، لعله يصلح من الفساد الذي يراه يشرّ شرًا  من تصرفات  طشَّان العنشوبي .. السؤال الذي يقلقه : هل الرئيس مثل  طشَّان وسيده تيسون؟! الاحتمال كبير : نعم! هو رأس الفساد !!
قرر في هذه الأيام الفضيلة ؛ العشر الأواخر من شهر رمضان  1423هـ، أن يصلي صلاة الاستخارة مدة ثلاث ليالٍ ، صلى الركعتين  في المسجد بعد أن أنهى صلاة قيام الليل مع الجماعة..  لم يرَ شيئًا في نومه ، لم تكن هناك رؤى تخبره أن يتابع الخطاب أو يتوقف ..لكن نفسه حثته على التروي .."لا تكتب شيئًا  للرئيس عن   طشَّان ، أنت غير معني بأخطاء  الجامعة الطشُّونية المفتوحة، اجعل علاقتك بالجميع جيدة ، بما فيهم  طشَّان" !!
لم يقتنع بهذا الرأي ، في داخله نقمة ما يجب أن يفرغها في خطاب طويل عريض  يبعثه إلى الرئيس أو إلى إلى مسؤول ما، حتى لو كان فاسدًا ؛  يشكو فيه  الفساد الطشُّوني..ولأنه قرر منذ البداية أن يصلي الاستخارة ثلاث ليالٍ  ، صلى الصلاة الثانية في الليلة التالية ، في المسجد بعد أن أنهى صلاة قيام الليل مع الجماعة!!
نام مطمئنًا ، وقبيل أن يصحو ، أو بالأحرى قام من نومه  بعد هذه  الرؤيا :
كان يحمل أوراقًا كثيرة  تخص  الجامعة الطشونية المفتوحة ، بينها بعض الأوراق  البيضاء . دخل إلى قاعة مستطيلة ، يظهر في طرفها الأيمن  مكتب  طشَّان  .. يتلوه بعد عدة أمتار  إلى جهة اليسار مكتب سكرتير المدير  الذي يعرف صمته  وأحيانًا موضوعيته .. في نهاية المكتب  مجلس الضيوف  ، لم ينتبه حينها إلى أن زوجة المدير، وهي  ست كبيرة في السن تبدو غير طشُّونية غالبًا، تجلس في إحدى زواياه.. يبدو المكان غير خالٍ من المراجعين  والأوراق ..
جلس على مقعد  أسود فخم  عند مدخل القاعة المستطيلة في مواجهة المدير، بدأ يخرج ورقة بيضاء ليكتب استقالته، والمدير ينظر إليه شزرا، مدركًا أنه يقوم بعمل جريء، أخطأ في الورقة الأولى، وفي الورقة الثانية، والثالثة..كان يريد أن يكتب عبارة: "يرجى قبول استقالتي؛ لأنني  سأسافر في نهاية العام إلى الخارج"..يخطئ في الكتابة..إنه يفكر أن يلقي ورقة الاستقالة مع أوراق الجامعة الطشونية المفتوحة على مكتب المدير ويخرج..لكن الأوراق البيضاء التي معه نفدت بعد أن أخطأ فيها كلها..
قام من مقعده.. توجه إلى السكرتير ، طلب منه ورقة بيضاء .. أعطاه ورقتين .. عاد إلى مقعده.. رأى سيدة  تتجه إليه : كانت تشكو من صعوبة المقررات التي تطرحها الجامعة الطشُّونية المفتوحة  لتأهيل  الدارسين ، قالت:  إن ابنتها  لا تستطيع أن تفهم ثلاثة مقررات ، وتريد منه أن يحضر لها مدرسًا خاصًا، أشار عليها أن تتوجه إلى المدير ، وتطلب منه هذا الطلب  ، زمت شفتيها بامتعاض..ثم سارت إلى نهاية القاعة المستطيلة ، وهنا تنبه إلى وجود  زوجة المدير  تجلس هناك ..
حاول أن يكتب في الورقة البيضاء الأولى  .. لكنه لم يفلح ، فقد أخطأ في الكتابة أيضًا .. عادت السيدة من عند زوجة المدير..قال لها: ما المواد  الصعبة ؟ ردت : اللغة الإنجليزية !! قال : تكلمي مع أساتذة المادة !! وعاد مباشرة إلى خطابه الذي ينتظر أن ينتهي منه ..
توقف عن الكتابة فجأة ، قال في داخله: لماذا أقدم الاستقالة؟! أنا متعاون في هذه الجامعة الطشُّونية المفتوحة، وعملي فيها إضافي ، وفي حال قراري الخروج  منها، أخرج بدون أية التزامات لدي نحوها !! وهنا تحديدًا قام من نومه مرتاح البال!! هل يصلي الليلة الثالثة؟؟ ربما يفعل ذلك!! لكنه لم يفعل.. لأنه قرر  أن يترك الجامعة الطشونية المفتوحة… ويعرّي فساد  مديرها العام   طشَّان العنشوبي.. وكذلك سيده تيسون!!
 هكذا بدأت فكرة  أن يكتب رواية .. احتار في اختيار عنوانها.. وأخيرًا استقر على أن يكون العنوان "طواحين السوس "؛ فالسوس الذي  كنّا  نحاربه عندما يغزو طواحيننا.. غدا بعد  "اتفاقيات أوسلو" طواحين تطحن  بنتن الفساد والخيانة  خضرة الوطن  ومصداقية الإنسان!!

                                الثلاثاء 28 رمضان 1423هـ  الموافق    3/12/2002 م






 (7)

خلافنا للطَّشَّنَة !!
( في رثاء  صديق تَطَطْشَنَ فمات)


-                 رحمك الله ، أيها الصديق   العجوز الطيب المتططشن !!
 بقايا دموع مسحتها عندما أخبروني بموتك ..
-                 غير معقول .. الأسبوع الماضي اختلفنا !!
كنت رحمك  الله – كما قلت لي – معجبًا بصراحتي  ، على الرغم من مؤامراتي الصغيرة  ضدك!!
-    اِفهم..  الخلاف بيني وبينك  لا يفسد للود قضية ..أنا لا أتآمر ضدك ،  طشَّان العنشوبي يسعى إلى  أن يوقع  بيننا .. تعرف حقده مؤخرًا  ضدي؟!
-         الذي أعرفه أنك  صاحبه !!
-    الله يرحم أيام زمان ..كانت بدايته على الرغم من  أخطائها الكثيرة  غير مفضوحة..اليوم هو ثعبان طشُّوني  أسود  في ريش النعام .. أو الطاووس  الطشُّوني الأعمى  بغروره..كما تشاء!!
كان الرجال  يعجنون التراب ،  ويحكمون الطين على الجثة الهادئة في اللحد..سبحان مغير الأحوال!! أين صوتك الجهوري؟ عصبيتك الطفولية ؟ الركض إلى قاعة الدرس؟.. كلها تلاشت!!
-    عليك أن تقتنع أيها الصديق العجوز: إننا مستهدفون ..إنهم يحاربون أخلاقنا!! لا يريدوننا أن نكشف  الحقيقة ‍‍‍‍، ونعمل بما يرضي الله ثم ضمائرنا في مواجهة فساد الطشَّنة!! يريدوننا على طريقة فرق تسد !! أنت رئيسنا الذي عينه  طشَّان ، وعليك أن تكون حذرًا .. لا تجعلهم يمررون الصفقات  العفنة عن طريقك .. حسن النية لا ينفع  مع الأفاعي الطشُّونية!!  طشَّان أفعى .. حنش ( كما تشاء)  يريدنا أن نكون "إمعات"، وأنت يا صديقي – بصراحة – تحقق له جزءًا كبيرًا  من هذه الإمعية  الطشُّونية.. دعني أقولها لك بصراحة  : لقد عينك طشّان علينا  لغرضين : الأول : أن يسلط ضعفك علينا على طريقة "التسليط الطشُّوني" ، فتبهدلنا ، وخاصة أنا . والثاني : أن تمرر له تخريج بعض الطلاب الطشُّونيين الرديئين  المدعومين  بكروت طشُّونية قاسدة..هذه هي اللعبة التي تتقنها الأفاعي الطشُّونية .. أنت أخبر مني بالسياسة  الإنجليزية (فرق تسد)بحكم  سنك !!
قال كبير الدافنين : أهيلوا التراب على اللحد  بأيديكم..كل واحد يهيل حفنتين..اتركوا لبقية إخوانكم أجرًا، جزاكم الله خيرًا !!
دفعتُ  حفنتي التراب ، فانغرستا في قلبي الحزين ..لم أستطع البقاء لإتمام الدفن..انسحبت باكيًا..كانت المقبرة بحجم  العالم كله.. التفت  إلى  الخلف .. رفعت يدي.. "بخاطرك يا صاحبي"..كنت مشروعًا طشُّونيًا يمتطيه الفساد .. يرحمك الله !!
-   آه .. آه  .. رحمك الله  أيها الصديق العجوز .. اللهم إني سامحته ، فيسر لملائكتك أن يطلبوا منه أن يسامحني..يا كريم يا أرحم الراحمين  يا الله …
-        ....
-   هناك تنام .. وأنا هنا  أطلب لك الرحمة والمغفرة ..قد نلتقي يومًا ما عندما آتي إلى هناك  معرى من كل الأشياء  المادية .. حينها سأذكّرك : كم اختلفنا على سخافات طشُّونية؛ بَذَروها لتزرع  الأحقاد بيننا ..!!
-        ....
 طشَّان العنشوبي -  قبيل مماتك  - دفع بك إلى اليأس .. كان يردد بين الآخرين أنك لا تنفع لشيء..لكن تعيينك رئيسًا على الرافضين للطشَّنة ، يمكّنه من  أن يخبز في أفراننا  حماقاتنا  الصغيرة المعجونة بمؤامرات طشُّونية غير بريئة .. أو  هكذا تخيل نفسه يفعل بنا .. فدفعنا إلى اليأس  والبهدلة!!
  يريدك   طشَّان العنشوبي  أن تغير ثوبك..يقول عنك عندما  تتحدث : "لا يسمعك سوى اثنين ممن عند رجليك"..تريد أن " تهبش" فلوسًا .." هل يعقل أن يكون هذا أستاذًا كبيرًا "!! وقال .. وقال.. وقال ..وكنا  نقول معه ما يقول .. وفجأة جعلك رئيسنا .. كان يضغط عليك .. ويضغط .. ويضغط ..  هل توقف قلبك  حزنًا ؟ كمدًا؟ ندمًا؟ قل لنا يرحمك الله : ما الذي كنت تريد أن تقوله قبيل  وفاتك !! أقرَّرتَ  أن تلعن الطشَّنة؟!
اختلفنا معًا  ..هذا المقرر لي .. بل لي .. لي .. بل لي .. وقال  طشَّان اللعين هو لك .. فانسحبت .. وقالوا عنك ساخرين: "راح يجري"!! " تلحَّم على المكافأة الهزيلة"!!
حضرت المحاضرة الأولى ..ولم تأت  إلى المحاضرة الثانية..
اتصلوا بي .. بكيت .. حضرت في المساء المحاضرة الثانية نيابة عنك.. وفي الصباح : قالوا لي : اكتب اعتذارًا  عن الإساءة إلى الطشَّنة ،  لتستمر في النيابة عنه !!
لن أكتب..
لا يريدونني أيها الصديق  إلا طشُّونيًا !! كيف سيمررون خبثهم الطشُّوني عن طريقي فيما لو رفضت أن أكون طشُّونيًا ؟!.. هل قتلك هذا الخبث الطشُّوني !! هل قتلتك المؤامرة علينا ؟! هل اكتشفت لعبتم الطشُّونية الدنيئة قبيل أن تموت؟!!
ربما قهقه  طشَّان العنشوبي .. ربما حزن لثانيتين..  حتى موتك  أصبح ورقة يلعب بها .. هذه الأفعى الطشُّونية  اللعوب تنفث سمًا أسود ..فتموت الرياحين واقفة .. هكذا مت .. وهكذا بإذن ربنا سنموت رافعي الرؤوس  في وجه الطشُّونيين كلهم  !! ولكنك أيها الصديق كنت ضعيفًا .. هل قررت أن تكون قويًا قبيل أن تموت ؟! ربما !!

يا غيمة أمطري !! يا غيمة أمطري !! يا غيمة أمطري!!
كيف نغسل السم دون أن تمطر غيمة قلوبنا..
كانت  غيوم قلوبنا تمطر .. ومنذ أن جاءت الأفعى الطشُّونية سالت أنهار السم تفتك  بشجيرات النعناع  والياسمين والحبق !!فاسودت وجوهنا !!
كيف أرثيك  إن لم أرث نفسي ؟! كيف تولد الحياة إن لم نعرف الموت ؟! كيف تموت الشهب العظيمة، ولا يموت السواد الملتحم بالقلوب الطشُّونية الأفعوانية!!
من أنت؟!
  ومن أنا ؟!
 ومن هو؟! 
كلنا عبث عندما تتدنى فينا مستويات الفضيلة !!
 فمن أنت؟!
 ومن أنا ؟!
ومن هو؟!
  بشر يلاحقون سخافاتهم الطائشة  في زمن  الفساد والوباء الطشُّوني الكبير!!
   أنا: لي ..
وأنت : لي ..
وخلافنا لطشَّان .. للأفعى الطشُّونية الفاسدة !!
هل تصدق الآن؟!
نم ياصديقي..فالموت خير راحم عندما يغزونا الفساد!!
واللعنة على طشَّان العنشوبي  وسيده تَيْسُون!!













(8)

لـــســـــــان طشُّوني !!


يحمل في جيبه عشرة أنواع من الأدوية..تجحظ عيناه  المنزعجتان، وهو يخبر زملاءه في العمل  على طريقة مسكنته المكشوفة : " ليلة أمس  أخذوني إلى الطوارئ"..
تتناثر تعليقاتهم  الطشُّونية  الموجهة:
-         ربما تموت خلال ثلاثة أشهر على الأكثر !!
-          أمراضك سببها "الفياجرا" التي تلتهما بلا فائدة  ..
-          مشكلتك لسانك ..أعوذ بالله منه .. سوط تلهب به ظهور الآخرين ..
-         الأدوية والطوارئ .. أكيد تريد أن  تتمسكن عن طريقها حتى تتمكن !!
-         تزوّج أخرى ..العلف الجديد يعيد إليك شبابك !!
-         أنت حسدت حالك ..تدّعي أنك تفهم في كل شيء..مدير عام ..مدير شؤون الموظفين.. محاسب..مسجل..
-         سمسار..سباك ..دكتور في اللغة العربية..أستاذ لغة إنجليزية ..
-         خبير في الأمن ..ضابط كبير..مدير مشتريات ..سماك..أكّيل كوارع..
-         إمام الجامع ..مدرس خصوصي..خبير في الجامعة الطشُّونية المفتوحة..
-         شيخ الحارة ..ميكانيكي..كهربائي..عجلاتي..ولد حراج..
-         أمين مكتبة ..مخلّص جمارك..مثقف فضائيات..خبير نت..
-         فراش مدرسة .. ناطور جامعة .. أمين مخزن .. قبضاي طوش..نكّيه تدخين ..
-         مدير استعلامات ..مندوب علاقات..لا تخاف من زوجتك..
-         جاسوس خاص..بحليق نساء..لميم أكل..طالب دكتوراه .. ورّيط هواتف ..
-         رئيس جمهورية ..مع الاعتذار لرؤساء الجمهوريات الفاسدة..
-         طشان العنشوبي.. تيسون في إمبراطوريته العجيبة!!
-          توقفوا ..اتقوا الله .." الزلمة" أوشك على الموت من كلامكم ..أتريدون أن تجلطوه ؟! انظروا..انظروا .. وجهه..أصفر .. أسود .. !!
-          لو عددننا ميزاتك ، لوصلت مهنك  الباقية إلى أكثر مما قلنا !!
-          لكن مهنتك الأولى : اللسان في الظهور!!
   انسحب من الغرفة ، كادت السخرية  أن تفتك به ..غاب يومًا..
تجنّى اللسان الطشوني على "خالد" ، وروّج عنه : لا يفهم  في المحاسبة ، وينقل أخبار الجامعة الطشونية المفتوحة إلى طشان العنشوبي، ومفصول من عمله السابق!!
…"سليم " لا يفهم في تسجيل المراجعين، ومهنته  مراسل !!
…" كامل"  صايع ، يلاحق البنات ، ولا يعرف شيئًا  في الإدارة!!
… "سلمان" يا ما تحت السواهي دواهي..بسمته وراءها الإدعاء والأحقاد!!
…" ياسر"  شايب عايب..نفسه مفتوحة على المغازلة ، ومغامراته كثيرة!!
…" حمد"نجار، لا يفهم في وظيفة أمين المكتبة ..يكفي أنه عين بالواسطة..!!
…"رويشد " ولد حاقد ، لا يتقن عمل القهوة !!
…" تَيْسُون " سمسار، يشرب الخمر !!
…"مريم " من بره حجاب ، ومن جوه أفعى في تبن !!
…" أيمن "نتائجه رشاوي !!
…المراقب العلمي  لا يفهم ..معقد ..يريد أن يخرب الجامعة الطشونية المفتوحة!!
…" البواب"يفكر نفسه حاجب هارون الرشيد..سيسرق الجامعة الطشونية المفتوحة  يومًا ما!!
…"السيدة المحترمة"(……) برخصة !!

لم يستغرب الجميع عندما جاءت الترقية تركض إلى  "اللسان الطشُّوني" ، فغدا  "المدير الإداري للجامعة الطشونية المفتوحة "…

صمت الجميع ..سكتوا..انخرسوا ..تملقوا ..  صاروا ألسنة تلهب ظهره  عندما يتلاشى عنهم..وما أن يحضر حتى تتفتق الأفواه من ابتساماتها الصفراء العريضة ..
يرعبهم ..يخيفهم ..  ويتوجب عليهم  أن ينافقوا !!
القرار الأول الذي اتخذه  المدير الإداري الطشُّوني الجديد: يُفصل المراقب العلمي من عمله ؛ لأنه لم يقدّر أن المراجع الذي يدفع قسطًا  يجب أن تختم معاملته بغض النظر عن مشروعيتها !!
كان المراقب العلمي يعطف على  "اللسان الطشُّوني" لما كان فراشًا، خاصة عندما ابتذله المدير القديم..وأذله…ولعنه .. واستغله ..وهزأه أمام الآخرين عامدًا متعمدًا..
قال المراقب العلمي للفراش آنذاك : يريدك المدير ذليلاً، وسيسلط لسانك الفاسد على الآخرين ..
رد اللسان  : سأضع "صرمايته" على راسي ..
تأكد للمراقب  العلمي: أن اللسان الطشُّوني يعرف من أين تؤكل الكتف!!
هجس المراقب العلمي في نفسه : من هنا تبدأ الترقية الطَّشُّونية ..
حمل  المراقب العلمي بقايا أوراقه الخاصة..ابتلع بصعوبة  بقايا ريقه الجاف ..
نظر إلى فوق ..تبدو السماء أكثر صفاء  من أمس..
نظر إلى الحركة المفاجئة قرب تجمع نفايات الحارة ..
رأى فأرًا يبتلع" أم بريص" التي يمتد لسانها ..كأنه لسان  أفعى!!
ضحك الفأر في عبه، وهو يهجس : بل ربما لسان مدير إدارة الجامعة الطشُّونية  المفتوحة الجديد !!
أعاد رفع رأسه إلى السماء الصافية؛ فرأى  نجوم الظهر ، كأنها بعر جمال في سماء شديدة الصفاء!!






(9)

الانتفاخ الطَّشُّوني!!


تمدد   طشَّان العنشوبي على الكرسي الهزاز .. رفع رجليه فوق الطاولة ..قال بقرف:
-           لا تؤاخذني.. يا زيد !!
-            لا عليك ..كلك وجه !!
-           أنت الوحيد الذي دخل مزاجي!! الآخرون .. يبدو أنهم يعيشون من قلة الموت..كأنهم  حيوانات  بلا أحاسيس!!
-           أعذرهم .. ظروفهم صعبة ..وقطع الأعناق  أهون على الله من قطع الأرزاق..
-     أستغرب كيف كانوا يشتغلون  قبل عملهم معي..لا يوجد عندهم خبرة على الإطلاق ..كأنّ الشهادات التي قدموها لي عن خبراتهم السابقة مزورة !!
 - الرواتب التي أعطيتهم إياها  قليلة،وظروف الحياة – كما رأيت- صعبة..
- صدقني  أن عشرة دراهم كثيرة عليهم!!!
- …………………
غفا على الكرسي ، كطفل وديع ..
ماذا يريد  هذا الكائن العجيب ، وهو مجرد لسان،من الحياة  بعد أن تجاوز السبعين؟! ربع مليون درهم صرفها على نفسه خلال ستة أشهر..إيجار بيت وأثاث ..ووفر مما صرف له ..سيارة .. ووفر من ثمنها..انتدابات ..راتب  يتجاوز  ثلاثين ألف درهم ..وطلب من أحدهم أن يزور كادر مدير مؤسسة من مؤسسة أخرى ليصل راتبه إلى خمسين ألف درهم . .سفرات .. رحلات..فنادق .. اتصالات..استغلال وظيفة ..أشياء أخرى مجانية..تبرعات عينية ..حسميات  ضريبة غير موثقة .. واسطات..إعفاءات..ولائم.. إكراميات للمنصب الكبير!! ميزانية  الجامعة التطشونية المفتوحة  باسمه .. من يحاسبه ؟! ربع مليون أو أكثر صرفها على نفسه ..ويستكثر عشرة دراهم مقابل عمل ثمانية أشخاص!! أية مبالغة  طشُّونية فاسدة هذه ؟‍‍!
ينظر إليه ..ينام كطفل وديع ..ماذا  يريد هذا الطفل الوديع الفاسد من الدنيا بعد أن تجاوز السبعين من عمره؟‍!
جاءته أمّ ستة أيتام تطلب عملاً.. طردها ..وعلق : آخرتها  أفتح حضانة أيتام في الجامعة!!
جاءه الشاب الطموح  يريد عملاً، يبدأ منه خطوته الأولى  إلى المستقبل الواعد .. طرده .. وعلق: شكله حلو ..قد يغري البنات!!
جاءه الأستاذ الجامعي الكبير  الستيني المتقاعد يطلب عملاً بعد أن تقاعد بلا راتب .. طرده .. وعلق ..أكيد لم يبق عنده علم بعد الستين!!
جاءته المطلقة المسكينة؛  لتشغل وقتها في وظيفة تخفف من مصابها ..طردها .. وعلق : أكيد "جاية" تصطاد شباب!!
ماذا يريد هذا الرجل الحقير الفاسد من الدنيا بعد السبعين .. تململ .. كاد أن يقع عن الكرسي .. التفت نحوي..
-     هل كتبت الخطاب ؟!نريدهم أن يخصموا لنا خمسين بالمئة ..اكتب لهم : ا الجامعة الطشُّونية المفتوحة تساعد أبناء الشهداء..وتدعم طلابنا الذين لا يوجد عندهم ثمن الطباشير في  ظروف الاحتلال..!!
- ………..
 سيدي الرئيس ، أبعث إليكم خطابي هذا ، الذي تجاوز خمسًا وعشرين صفحة ، تقطر من كل سطر فيه  إشارة إلى مظلمة يمارسها مدير فرع الجامعة الطشُّونية  الحكومية المفتوحة .. راجيا من الله ، ثم  من فخامتكم أن تولوا الأمر عناية حقيقية، في زمن غدا فيه الفساد  الطشُّوني أخلاقًا حميدة..قد لا تصدقون كلامي ؛ لأنني لست مدعومًا من الطشَّنة..لكنني سأحاول  أن أقنع فخامتكم على الأقل  بضرورة إحالة هذا الرجل الطشُّوني السبعيني  الفاسد على التقاعد .. لأنه ببساطة طشُّوني خرف…. وقد فاحت  من إدارته  المنتنة في الجامعة الطشونية المفتوحة روائح طشَّنته الخبيثة!!
تحسنت الأمور – بعيد إرسال الخطاب إلى الرئيس - في  إدارة الجامعة الطشُّونية المفتوحة.. بما فيها  تحسن وضع  المدير العام   طشَّان العنشوبي..
قال  لي عن طريق مديرة مكتبه  البائسة: "أمامك في الجامعة الطشونية المفتوحة فرصة أمين مستودع .. اقبلها .. أو مع السلامة"!!
هل أقبلها ؟!  لم أعد أفكر كثيرًا في العرض المذل، وقد قررت أغن أكتب روايتي عنهم.. قلت لهم بعد مرور ثلاثة أيام : قبلتها على مضض !! حتى الفرّاش صار وضعه أحسن من وضعي ..والسبب أنني  لا أريد أن أكون طشُّونيًا!! هل تنصحونني أن أصير طشُّونيًا ؟! لا أظن !!
 أما الذين  حاربت من أجلهم ..جماعة عشرة الدراهم الطشُّونيين .. فقد سلطهم عليّ ، صاروا يراقبونني .. ويتسابقون  إلى تقديم التقارير الطشُّونية  الكيدية عن تصرفاتي  إليه .. كتبوا على الإنترنت  يصفونني : أنا جشع ..أسعى إلى أن آكل أموال الجامعة  الطشونية المفتوحة التي هي أموال الوطن الضائع تحت سياط الاحتلال الصهيوني ..
 وقالوا عن  طشَّان العنشوبي المسكين  : هو الرجل الأمين الذي  يسّره الله ليحفظ  أموال الوطن من جشع الجشعين ‍‍ أمثالي !!
 لا بد من الرحيل .. !! ضحك الفأر في عبي .. ثمانية أشهر من العمل المتواصل معه..خسرت.. صرفت ..أرهقت سيارتك ..دفعت بسخاء..لم تأخذ درهمًا واحدًا .. و ها هي النتيجة قد صرت جشعًا .. لأنك لم تصر طشُّونيًا .. كن طشُّونيًا  أو ابتعد !!
عندما أطعمني  طشَّان  مرة فطيرتين وعصيرًا بخمسة دراهم ، أخذ من المطعم  التركي فاتورة ليضعها في سلسلة مصروفات  الجامعة الطشُّونية المفتوحة !! هل تصدقون هذه الرواية؟!!
زوَّر الحقائق عني عند رؤسائه الطشُّونيين ..بعث إليه سيده تيسون صاحب إمبراطورية الفساد العجيبة،قرارًا بفصلي، كان نصه: "يُفصل من الجامعة الطشونية المفتوحة ؛ لأن درء المفاسد  أولى من جني بعض الفوائد .." !
رحلت .. وأجري على الله!!
هذا زمن طشان العنشوبي  وسيده تيسون!!
لقد أنقذت نفسي من أن أكون طشُّونيا فاسدًا !! هناك بعض الطشاشنة الذين غُلبوا على أمرهم ، تذللوا ليأكلوا لقمتهم المغموسة بماء وجوههم المراق على عتبات الجامعة الطشونية المفتوحة ..ربما كانوا محقين ؛ لأن الحياة صعبة على أية حال !!



(10)

مُعَيرْكة طشُّونية ..

توقف عن رشف فنجال القهوة ..ووقف ليبعد الطشُّونِيَينِ (بكسر النون )  عن الطالب المراجع المسكين الذي احتمى به من إمكانية أن تمتد إليه يد  طشَّان العنشوبي  المهزوزة .. أو على الأرجح أن تمتد إليه  يد الفراش  الطشُّوني جاحظ العينين..
تصارخ  طشَّان في وجه الطالب المراجع :
 فتحنا لكم الجامعة الطشونية المفتوحة.. وتكبدت الحكومة الخسائر ..وأنتم تريدونها على مزاجكم .. اللعنة عليكم..!!
اشتدت حماسة  الفراش الطشُّوني  الذي تعود على أن يُنَصّب نفسه حارسًا خاصًا  لسيده طشَّان العنشوبي عندما يسمع صراخه .. يجيء إليه راكضًا ، مشمرًا عن يديه ..فإن رأى المراجع  محدود الحجم " عفصه"  بدفعة قوية  إلى خارج المكتب  ، فيصير بقايا سيجارة  ألقيت بقوة بعد أن لسعت جمرتها جلدة الإصبعينِ .. أما إذا كان المراجع ضخم الجثة  ، فيتلطف معه ..ويدفعه بقوة  مؤدبة ..وأحيانًا بعصبية  مفتعلة ؛لإرضاء حنق المدير العام  طشَّان العنشوبي الذي أنّبه مرارًا على تساهله مع المراجعين الذكور !!
التفت إليّ المدير العام بعد أن طرد الطالب المراجع ، وقال بهدوء ما بعد العاصفة : ماذا أراد  مني ؟!
-         إلغاء  تسجيله لهذا الفصل ، واسترجاع الرسوم التي دفعها!!
-          طبعا لا يجوز .. هذا التصرف مخالف لقوانين الجامعة الطشونية المفتوحة .. نعم نلغي  تسجيله .. لكنه لا يسترجع الرسوم !!
بعد ثلاثة أيام من هذه الحادثة ، وما أكثرها الحوادث من هذا النوع ، جاءت الفتاة  تتكسر في مشيتها ، دخلت إليه ، قالت في تغنج واضح  : سعادة المدير ، هذه أوراق أخي المسافر، يريد أن يلغي تسجيله ، لو تفضلت  تلغي تسجيله ، والمهم أن تعيد إليه الرسوم..
انتشى..
-         على عيني وراسي .. كيف أحوالك؟! .. أنا وين شايفك قبل  هالمرة !!
-          أكيد التقينا..سعادتك مشهور..ولي الشرف أن تتذكرني..لكن بصراحة أنا أول مرة أشوفك!!
-         طيب .. خلينا نشوفك بعد هالمرة !!
-          أكيد.. أكيد ..
وقَّع المعاملة  .. مدّ يده  المرتعشة بها إليها .. أوصاها  بفم خجول أن تذهب إلى المحاسب؛ لتتسلّم الرسوم المستردة بالكامل ..
نظر إلى قفاها ..أعجبه .. التفت إليّ ..قال :
-         آخ!!
-          من المؤكد ، لست أنت..!!
-          راحت أيام زمان ؟!
-         الرائحة ..ولا البلاش !!
-         صدقني ، رأيت صدرها كله عندما اقتربت مني !!
-         حسن الخاتمة يا  طشَّان .. حِجْ يا حَجْ..   !!
تذكرت الفتاة .. إنها أخت ذلك الشاب المطرود قبل ثلاثة أيام  ..
قلت له ؛ لأغيظه :
-         أتصدق أن الفتاة أخت الشاب  الذي طردته قبل ثلاثة أيام ؟!
-         غير معقول  !!
-         أنا متأكد!!
-         على أية حال ، الرسوم من حقهم .. وأنا – صراحة - تسرعت مع الولد !!
-          لم تتسرع ، ينص النظام الداخلي للمؤسسة على أنهم يفقدون حقهم في استرجاع الرسوم إذا هم  ألغوا تسجيلهم..
طلب الخبير القانوني : استشاره ..أكد أن الرسوم  من حق الجامعة الطشونية المفتوحة !!
قال بقرف : أنتم ( أنا والخبير القانوني)  لا تعرفون شيئًا عن أنظمة الجامعة الطشُّونية المفتوحة ..
رددت عليه بقرف .. بعد أن   فاض الكيل : يبدو أنك الوحيد الذي لا تعرف شيئًا عنها على الرغم من أنك مديرها منذ خمسة عشر عامًا،  وألفت عدة كتب عنها.. أنت  أفشلت فرعها هناك ، وتريد أن تفشله هنا !!
فزّ  عن الكرسي كقرد مرت من بين فخذيه أفعى سوداء !!رفع رأسه إلى السقف بشموخ .. كاد السقف أن ينهار فوق رؤوسنا بعد عجرفته الطَّشُّونية !!
قال بقرف مضاعف : لو سمحت ، لا تتدخل في جامعتي!!
قلت بقرف  مركب مستنكرًا :  جامعتك ؟!!! هذا ما انتظرته  منك منذ  ثمانية  أشهر.. صرت فيها:  مستشارًا، سواقًا، حارسًا ،مرمطونًا، مصححًا، مندوبًا  .. مجانًا .. مجانًا .. مجانًا ..  دفعت لي أجري الآن .. جزاك الله شرًا !! كنت  تمشي  معي طرطورًا خلال ثمانية الأشهر الماضية.. والآن  انتفخت ريشاتك : (لا تتدخل في جامعتي) !! أحسن أجر  تدفعه لي ؛ لأتخلص من قرفك..سذاجتك..خرفنتك ..سخريتك الممجوجة .. مسكنتك ..أنانيتك .. ثقل روحك المشابه لثقل قفاك .. طشَّنتك البذيئة !!
فوجئ بثورتي ..لم يتوقع عشرها..تورّط..نزلت نفسه إلى أخمص قدميه..مادت كلماته..
- اقعد .. اقعد .. صحح الأوراق!!
خرجت وأنا أنثر  خمسين ورقة من مخطوطة كتابه الهزيل " الجامعة الطشُّونية الافتراضية " ، صححت بعضها  .. مجانًا .. مجانًا ..
من المؤكد أنه شتمني .. بل شتم عرضي.. هذا ما يفعله عادة مع الجميع عندما  يخرجون من عنده تاركينه غاضبًا..في وجوههم  يبدو حملاً وديعًا ،تتناثر من فمه كلمات التعظيم  للفرّاش والوزير .. وفي قفاهم  تتناثر  اللعنات  والشتائم، وخطط التسليط الطشُّونية التي يتقنها بجدارة..!!
لم يضحك الفأر في عبي ..قفز منه .. وقف أمامي في الشارع العام ..بدأ يصرخ بصوت مرتفع: أنت متخلف .. كيف تقبل أن تبني مؤسسة  مجانًا ..مجانًا.. مجانًا .. مجانًا..يا واضع المعروف في غير أهله ..في اللئيم .. اخص..اخص..!!
صرخت في وجه الفأر  الذي بدا لي  أضخم من العملاق : اخرس يا وقح ..  وضعت المعروف لوجه الله .. ثم لوجه أبناء وطني .. ثم لوجه من كنت أعتقد أنه سيُشفى يومًا  ما من طشَّنته!!
انبخع الفأر .. تراجع  حجمه ..كاد أن يذوب .. قفز إلى عبي كصرصار برّي!!
مُجْتُ أضحك!! نظرت خلفي ..فإذا رتل من السيارات  ..تتعالى زواميرها  الطشُّونية ..
كأني رأيت الفساد الطشُّوني  ينزّ رعبًا ..فاتضح هدفي  حين  عزمت على محاربته  بعد تلك المعيركة   الصغيرة مع  طشَّان العنشوبي!!
 فهل أنتم معي  أم ضدي في معركتي  الكبيرة القادمة؟!!
بكل تأكيد أنتظر أن تكونوا  مع أنفسكم ؛  إن كنتم  غير طشُّونيين!!
لعنة الله عليه؛ كم كان نذلاً!!






























(11)
القطط الطَّشُّونيَّة..


منذ أن عُيّن  طشَّان العنشوبي في منصبه مديرًا عامًا  للجامعة المفتوحة،  التي جعلها بعد ذلك "الجامعة الطشُّونية المفتوحة " ، وهو يقول: "عندما نفتتح الجامعة الطشُّونية المفتوحة سنقيم وليمة  كبيرة من خروفين ، ندعو إليها كل الذين وقفوا معنا؛ كي تقف  هذه الجامعة على رجليها..".
افتتحت الجامعة .. انتهى الشهر الأول ..  الثاني .. الثالث ..أين الخروفان؟!!
بدأت ولائم الإحراج ..أنت تعمل وليمة ..وأنت بعده ..أنت جهز الوليمة  في مناسبة كذا..أنت يجب أن تعمل وليمة ثانية؛ لأن الأولى غير نافعة ..أنت .. وأنت.. أجهَزَ على ولائم الموظفين  العشرين  كلها..
بدأت ولائم المراجعين الأثرياء..  فتحدث الموظفون عن صفقات غير شرعية تمرر عن طريق هذه الولائم.. تجاوزت ولائمهم العشرين وليمة أيضًا ..
بدأت ولائم المتعاونين .. تحدث الموظفون  عن تلاعب بمشاعرهم .. وتجاوزت هذه الولائم عشرين وليمة !!
انتهت الولائم .. ولم تأت وليمة الخروفين الطشُّونية  ..!!
احتج جيران الجامعة الطشونية المفتوحة بسبب  تكاثر القطط الطشُّونية  في حاراتهم .. وادعت صبية أنجبت طفلها منذ أربعة أيام: أنها رأت قطًا بحجم الذئب ..  يحاول أن يكسر النافذة ليلتهم  طفلها .. وادعى صبي في الثانية عشرة من عمره  أن قطًا عضه في فخذ رجله اليسرى  كما تعض الكلاب المسعورة فرائسها.. وقالت امرأة عجوز: إنها  سمعت قطًا أسود يقول لها :
-         أعطيني لحمة خروف!!
     فقالت لها جارتها :
-         وهل تكلمت معه؟
-         أعوذ بالله ..انعقد لساني ..القط الأسود معروف أنه جني باسم الله !!
-          لو تكلمت معه ؛ لأخذ عقلك ، وأصبحت منهم لا سمح الله !!
-          الله يبعد الشر!!
أين الخروفان ؟!
في الوليمة الأخيرة التي قام بها الرجلان الطيبان  غير الطشُّونيين.. لم يدعُ   طشَّان العنشوبي أحدًا إلى وليمتهما ..قال للفراش:" لا تقل لأحد من الموظفين أو المتعاونين أو المراجعين : عندنا وليمة .. ألقِ  بلحمهما في كيس نفايات أسود  ..وقل : ستأخذه إلى القطط في حارتكم"!!
قدم الرجلان الطيبان الخروفين  المطبوخين في أحسن أحوالهما .. كان الموجودون عشرة أشخاص .. فكم سيأكلون من الخروفين ؟!
حمل الفراش كيس نفايات أسود ..وبدأ يضع اللحم فيه  بكل ضغينة وتشفٍ..!!
-         سآخذه إلى قطط حارتنا .. بعيدًا عن الجامعة الطشونية المفتوحة  وحارتها!!
قال أحد الرجلين الطيبين : ألا يوجد عندكم  أطفال !! أو فقراء!!
علق المدير : عنده عشرة قوارض !!
قال زيد العامر في نفسه : ما شاء الله !!
تابع وضع اللحم  في كيس النفايات..حمل صندوقي  الماء والعصير.. من المؤكد أنهما ليسا للقطط أو للفئران!!
    بدأت القطط ترحل من حارة الجامعة الطشُّونية المفتوحة ..فطالما سمعت  عن خروفين سيحضرهما المدير .. يبدو أن نكهتهما – في تصور القطط - ستكون خاصة ..تحول التفاؤل القططي الطشُّوني  إلى تشاؤل .. ثم إلى تشاؤم .. رحلت القطط.. بما فيها القط الذئبي الذي حاول أن يلتهم الطفل  البكر؛ كما قالت الصبية !!
رنّ جرس الهاتف ..جاءه صوت قط سمين : شو يا أستاذ  زيد ، أنت الوحيد الذي لم تعمل في الجامعة الطشونية المفتوحة وليمة.. إيش البخل هذا ؟!
-         تعرف أني غير مقتنع بهذه الولائم الطشُّونية كلها ..وقد جاملت   بحضوري  ولائم عدد من زملائي  غير الطشُّونيين ؟!
-          طشان العنشوبي، يقول لك : أنت تبقى صديقه المفضل ..عد إلى الجامعة .. واعمل وليمة  للجميع حلاوة لعودتك !!
-         قل له : صاحبك لا يشتري عودته بخروفين ، يدفع ثمنهما من جيبه !!
-          اجعل الوليمة  خروفا واحدا !!
-         ولا  " بيضة" خروف !!
تململ الفأر في عبه .. ابتسم  وهو يتخيل القطط السمينة تتحول  إلى عجفاء عندما تنقطع الولائم.. حينها سيضحك من هزالها انتقامًا لمأساة أجداده الذين كادوا أن يبادوا!!
خرج جدي  (الراوي هنا  الفأر) الرابع  صباح ليلة عرسه ؛ ليحضر قطعة جبن بلدي يهديها إفطارًا لعروسه ( جدتي )  في صباحيتها..تأخر ..أخرجت  جدتي رأسها من  غرفة نومهما  بعد أن لفتَ انتباهها حركة غريبة .. رأت قطًا طشُّونيًا  ضخمًا  يتلاعب بزوجها  الذي غرق في بحر عرقه الذي لم تر مثله في حياتها .. كأنه خرج من مجارٍ مائجة  بالعفونة واللعاب الطشُّوني.. يكاد حبيبها أن يلفظ أنفاسه ..تجمدت مكانها .. ليس بإمكانها أن تفعل شيئًا سوى أن تنكمش في جحرها ، أمانته في رحمها ، ستحافظ على اليتامى في أحشائها ..لم تستطع أن تتابع المشهد المأساوي .. كأنّ زوجها رآها قبيل لحظة التهامه..يبدو أنه سيغدو لقمة  هنية في  جوف قط طشُّوني مرعب .. رأت بقايا ذنبه تنساب إلى جوفه.. كم أعجبت  بسلاسة ذنبه  وامتداده الذي يوحي بعراقة  عائلته .. ليس بإمكانها أن تصرخ ..  لملمت تناثرها وغثيانها.. مكثت  ملقاة  في العناية المركزة الفئرانية إلى أن أنجبت طفليها..وماتت !!
في أيام أجدادي  ( الراوي هنا الفأر ) لم توجد ولائم دسمة  تنقذ  الفئران من أنياب القطط..أما اليوم فالقطط تخاف من الفئران .. بل تتقزز منها ..لذلك أهملتنا القطط  إلى أن اكتشفت أهميتنا مؤخرًا في مختبرات التجارب  المرضية..غدونا نموت  إثر تجارب زرع الأمراض البشرية..هل تصدق يا زيد  هذا التشابه العجيب الكبير بيني وبينك ..أليست غريبة أن  تكون حالتي الجسمية مشابهة لحالتك الجسمية .. وربما نتشابه في الروحانيات ولا ندري ..كان عليّ أن أختار عبّك..ألعب فيه  آمنا من شرّ مصائد الأمراض..رحم الله جدي.. كانت ميتته في أحضان القط مشرفة..
-         اخرس..هل تريد أن تقلب حكايتك إلى  موعظة .. أيامهم .. وأيامك ..
-         …………….
-    مئة مرة قلت لك: أنت فأر مجازي ..أنا أكره الفئران..وأحب القطط.. ولو قال العرب:"لعب القط في عبي"،  لقلتها ، ولصار بطل حكايتي قطًا لا فأرًا..أتسمع؟!
-         ………….
-    صحيح أنني أحببت "توم وجيري" في طفولتي .. لكنني  الآن لا أتعاطف مع الفأر الذي يبهدل القط  ويحط من قيمتها ..أتفهم..؟! الزمن مقلوب !! فكرة انتصار الفأر على القط فكرة صهيونية !!
-         ……………………..
-    لو خيرت بين شخصيتي القط والفأر، لاخترت القط ..يكفي أنني سأسمح للقط أن يأكل عشائي!!قبل أن  أتصور نفسي قطًا بلديًا في الجامعة  الطشُّونية المفتوحة، لا آكل عشاء الآخرين ..هل ذنبي أنني لا أحب أن آكل عشاء الآخرين ..أكلوا  غدائي وعشائي .. وجدت نفسي بين فئران  على رأسها الانتهازي "  طشَّان العنشوبي"..صرت بلا أنفاس .. صامتًا، وجلاً ..أنا،  أيها الفأر الذي يلعب في عبي ،  كنت جملاً مدميًا في وكر الفئران  الطشُّونية التي تحولت إلى ذئاب..كيف تضحك .. أتريدني أن أبقى لأقاتل .. أن أحلم بأن يصير الوكر  بيتًا للإنسان؟! أم تريدني فأرًا في مختبر أورام الفئران الطشُّونية؟!!
-         ………………….
-    قال  طشَّان : لا نريد منك وليمة..حتى لو كانت وليمتك  دجاجة..نريدك  أن تعتذر كتابيًا في سطرين.. بعدها يولد بيننا الود ...فماذا أريد  أنا من الدنيا بعد أن عشت في مرارتها سبعين عاما!!
-  ربما :المسكنة .. النفخ .. التماسيح.. الخداع !! (قلت ذلك في عقلي).
 قهقه الفأر في عبي .. لم أعد أطيق الصبر على هذا الفأر الغبي.. قلت له بصوت  مجنون  في داخلي :
                     اخرس .. اخرس … يا خرفان !! أقصد يا  طشَّان!!
لقد حول  طشَّان العنشوبي  حياتي  إلى  أكذوبة .. كيف صادقت الفساد  الطشُّوني ثمانية أشهر؟!! هذه هي عقدة الذنب الطشُّونية التي تلاحقني !! فكيف أتخلص منها؟! ربما عن طريق كتابة الرواية (رواية طواحين السوس)!!






(12)

طشَّنة المؤامرة …!!
                           
تتعرض "رام الله" لقصف عنيف ..و "بغداد" لحصار  أعنف.. وجبال أفغانستان لآلاف الأطنان من القنابل..
تمتلئ بعض الشوارع الهادئة بمظاهرات  تُقمع  على أيدي الآلاف من رجالات الأمن..
تبدع المحطات الفضائية والمحلية في الحديث عن مآسي أحد عشر من سبتمبر ..
يُستقبل شارون  في عواصم كثيرة بوصفه بطلاً جديدًا للسلام الأوسلوي الكبير ، ومحاربًا للإرهاب!!
أوقفني المدير العام  طشَّان العنشوبي ، وقال أمام الآخرين :
-         أنت أستاذ كبير !!
-         شكرًا على هذا الإطراء !!
 يتحدث الموظفون في  الجامعة الطشُّونية المفتوحة عن كتابات "شتائمية"  توجه إلى المدير العام من خلال موقع الجامعة الطشونية المفتوحة على الإنترنت..
قلت في نفسي : " بكل تأكيد ، أنا المتهم الوحيد ، فالكل يعرف العداوة التي حلت بيننا بعد صداقة طشُّونية  واهية .. وما دام قال لي :" أنت أستاذ كبير" فهذا يعني أنه  سيطعن في الظهر.. سيطعن بسكين  صدئة .. هذه عادته الطشُّونية ..وستبدأ لعبة التسليط الطشُّونية التي يتقنها بجدارة !!
بدا الفأر الذي كان يلعب في عبي  ساكنًا ،وقلقًا إلى درجة كبيرة ..الأمر لا يعنيني…سواء أكانت تلك الشتائم الموجهة إليه من أناس حقيقيين .. أم من مقنعين  للصيد في الماء العكر ..فيما لو افترضنا أنّ فيها تجنيًا ما عليه.. وهذا بكل تأكيد مستبعد على أية حال !!
يبدو أن طشان العنشوبي أقنع الجميع بأنني الوحيد الذي يوجه الشتائم النتيّة إليه..و قد قدم دلائل كثيرة لإقناع الطشُّونيين ،كان من أهمها أن الشتائم النتيّة لم تظهر إلا بعد الخلاف الذي وقع بيني وبينه..وما أن توقع أحد معاونيه  أن تكون  الشتائم  مقصودة  من مغرضين ،حتى نفى هذه الفرضية..وأقسم أمام الجميع  أنني المسؤول عنها !!
فكّر : ليس من المعقول أن تكون الحرب بيني وبينه  فقط ..
 هكذا تصور  طشَّان العنشوبي المشكلة .. فكان لا بد من أن  يشرك معه في مستنقع المؤامرة الطشُّونية آخرين، وخاصة سيده تيسون اللعين ، لتكون الحرب في المحصلة  مضمونة في  صالحه..
 ألم تورط السفيرة الأمريكية  صدام حسين  في غزو الكويت ..ألم تورط إسرائيل العالم  كله في مآس كثيرة  ..ألم تورط أمريكا المراهقين في الحرب ضد الشيوعية.. وفيما بعد  تورط العالم في حرب ضد الإرهاب!!
هكذا أتصوره  يفكر من منظوري عندما يقرر أن يوسع  جبهة التحالف ضدي..     
- الفرّاش ..من السهل دمجه في المعركة ، يكره  " الأستاذ" .. هكذا علمته!!
- تَيْسُون .. من السهل دمجه في المعركة،يكره الأساتذة كلهم ..هكذا فهمته!!
-الطالب (جنين اليوسفي) صاحب اليد الطولى ..يكره  تعقيدات الأستاذ ، كما علمته..!!
- عندما نكون أربعة ، لا بد أن تتوزع الشتائم وردود الأفعال ..يقولون :"إذا توزع الحمل ينشال"!!
ولد النص الشتائمي الذي  يهاجم الأربعة : المدير، تَيْسُون ، اليد الطولى، الفراش..والمتهم الوحيد – طبعا -  أنا!!
تململ الفأر في عبي..صار شر البلية ما يضحك..لسان الفراش يمتد مئات الأمتار..طشان العنشوبي يدير المعركة على نار هادئة..يقول أمام الجميع : الشتائم لا تهمه ، فهو أكبر منها .. المهم أنها تسيء إلى سمعة الجامعة..تَيْسُون يتحدث عن سمعة الوطن كله..ويتحدث عن خطة لطرد الفأر من عبي..أو لطردي إلى خارج البلد  المضيف..اليد الطولى تهدد بمقاضاتي في المحاكم..وتسليط ذوي القضاء  على طريقة المحسوبية ..
حاورت فأري .. قال لي :حاول أن تفرق لتسد .. قل الحقيقة :
قلت للفراش : يريد طشان العنشوبي أن يذلك .. ولأنك  في تصوره طشُّوني وسخ  يسلطك على أعدائه !!
رد عليّ: طشان العنشوبي ولي نعمتي، وصرمايته على راسي !!
قلت للطالب صاحب اليد الطولى : طشان العنشوبي يقول عنك  تاجر مخدرات .. أو تاجر نساء .. وأنك تتسلبط على الجامعة لتمرر ذاتك  غير النظيفة  في الحصول على شهادة مزورة..!!
رد عليّ:ما رأيك أن أتحدث بشأنك مع طشان العنشوبي، وأعيد  أيام الصفاء بينكما، فيتحسن وضعك !!
إذن فشلت في إقناع الفراش  واليد الطولى من خلال توضيح الحقيقة  لهما..فكيف أستطيع إقناع تَيْسُون وقد غدت علاقته  بطشَّان  حميمة ؟!!
لا بد أن أكتب إلى تيسون اللعين .. أشكو إليه الحال ..وخاصة  حال تآمرهم ضدي لطردي من البلد الأمين!! فهل أوفق؟!!
بلّغني اطشان العنشوبي عن طريق مساعده برهوم الدلهموني، الذي ولد لدينا نظرية:" يا ما تحت السواهي دواهي" : أن  لسان الفراش يشوه سمعتي عند تَيْسُون ، لذلك ينصحني بأن أتحدث مع تَيْسُون مباشرة!!
قال لي الفراش : الثلاثة عصابة .. كل الأشياء بينهم بما فيها المحرمات !!
دافعت اليد الطولى  عني عند تَيْسُون ، وقال لي:"قلت لتيسون الفراش هو الذي يشوه سمعتك..وليس الأستاذ زيد ، فمنعه تَيْسُون من الدخول إلى الجامعة الطشونية المفتوحة".. ولم أره يخرج منها!!
أأكتب إلى تَيْسُون العمراوي.. أم إلى  الرئيس ..؟! وإذا كان عدوك القاضي فلمن تشتكي؟!
 احتار الفأر  الساكن في عبي الذي بدا أكثر تأملاً في الأيام الأخيرة ، بعد أن أصبح في مواجهة أربعة أشخاص يضاف إليهم الحية تحت التبن (برهوم الدلهموني).. نفاق إداري تعوّد على  أن يطعن بنصل الفساد في الظهر .. يد  طولى  مسنتنفذة  تدعي مخافة الله..لسان يمتد طول  الطريق الدائري السريع .. سلطة اجتماعية تتجاوز قدراتها الخاصة!!
قهقه الفأر في لحظة جنون ..وخاطبني هازئًا :
-         كيف تنسى أيها الغبي أنك لست وحدك ؟!
-         ما فائدة أن يقف معي  بعض المتعاطفين  من غير الطشُّونيين..الكلام لا يقدم ولا يؤخر !!
-          ليس هذا ما قصدت ؟!
-          ماذا تعني : الله .. الله .. من يتق الله يجعل له مخرجًا !!
كأنني كنت قبيل سماع هذه  الجملة الشرطية في حلم كابوسي،وصحوت لأجد نفسي في جنان عدن.." من يتق الله يجعل له مخرجًا "!!
-          لن أكون طشُّونيًا  مهما كانت  درجة  الفساد الطشُّوني !!
-          وماذا ستفعل ؟!
-         سأكتب روايتي  عن " طواحين السوس " !!
-          والهدف؟!
-         محاربة الطشَّنة؟!
-          تعني الفساد؟!
-         نعم !!







(13)

الانهيـــــار



انهارت أحلامنا  في الجامعة الطشونية المفتوحة، الجامعة الوطنية  التي قبرت ، فتحولت إلى " الجامعة الطشُّونية المفتوحة " لتسقط في جوف بئر خربة..كان قد حفرها  طشَّان العنشوبي  لوأد أحلامنا  الوردية  المزروعة في ذاكرتنا الخضراء عن الوطن وترابه.. عن فلسطين الروح والجسد معًا!!
مثاليات تراب الوطن التي نمت في قلوبنا  وأرواحنا وعقولنا حوّلها سارقو الأحلام  الطشُّونيون إلى رماد يئن  تحت مخالب أرجلهم  الطشُّونية  الفاسدة العابرة فوق أحلامنا ..
تنظر حولك فتجد الأشياء البريئة عن الوطن المرابط تتكسّر في غمزات الطشُّونيين الحاقدين وأرواحهم اليابسة  التي فقدت براعم الحب..لم يعودوا يحبون أنفسهم..أعمارهم  الممتدة في الخراب لم تكرس في قلوبهم الناشفة إلا السواد المزروع في ألسنتهم النمامة ..أياديهم الطويلة.. ابتساماتهم الصفراء.. غيرتهم  العمياء ..حقدهم الأعمى..مصالحهم  الطشُّونية الصغيرة المنتنة ..
كيف يصير  حلم الوطن  المعشوق مبنيًا على الضيم في مؤسسة صغيرة يفترض أن تكون وطنية  صادقة غير طشُّونية ، فيصير حلمنا  فيها وعنها مجرد  خرقة سوداء تحتقن  لحظة الموت وهي تمسح عتبات دكاكين النخاسة الطشُّونية ..؟!كيف تنشغل النفوس  الطشُّونية الذابلة  في محاربة النقاط البيضاء فينا ..؟! كيف تُزوّر الحقائق غير الطشُّونية لتصير أغلاطًا، وتُخنق الفضيلة البريئة  لتبدو رذيلة .. والكبرياء الوقح يغدو أخلاقًا حميدة ..فيموت التواضع المعذب  بين أنياب  المستهترين، وطواحين  الفاسدين اللاعبين  بأرواح الكرماء ومهجة الوطن المنكل به  على فوهات مدافع الأباتشي..
 في الطشُّونية المعادية للوطن،  يتسيد اللؤم..  وتصير البَسَاطة حمقًا..  والسترة تخلفًا.. والفضيحة حضارة !!
كان الفأر يبكي في عبي .. حزنت لأجله ..الشوارع الفسيحة  كلها  بدت باكية ..ألوانها الرمادية تحفر في كل الأشياء ..تزرع  ظلال السواد .. وشجيرات الرياء الشوكية ..أين ملامح الوطن المخنوق  التي  أحببناها في بداية ولادة الجامعة الوطنية المفتوحة..
كيف صرنا  عارًا في الجامعة الطشُّونية المفضوحة؟!  أهي في  هذه الولائم  الفضائحية التي تتخم القطط الضخمة ؟ أم في هذه الخلافات التي يبذرها  طشَّان العنشوبي؛  فتجعل النفوس المعذبة محروقة  بالقطران ؟ أم  في هذه الأوراق الطشُّونية المزورة ؟! أم في الإشاعات الكثيرة ؟!  أين صوت الوطن الحزين كما يبدو  في آخر أنفاس الشهداء..وبدايات انطلاقات الحجارة  الصوانية.. ونشوة زغاريد  الفرح العائلي..وحبو أيتام الوطن  إلى خضرة الحياة.. ووجه " آيات الأخرس" .. وكلمات   طاولتها الصغيرة  في الغرفة المدرسية العتيقة!!
أين .. أين.. ؟؟ كأنّ الطشُّونية الفاسدة هي الوحيدة التي تعلو ؛ فتعلو معها طواحين السوس!!
انهيارات كثيرة تتهاوى.. وطن يباع .. ونحن في جوف  طشَّان العنشوبي  نبني الشتائم في ذلنا .. يهددنا بالطرد ..يسرق منجزاتنا .. يدفن أحلامنا.. يجبرنا  على أن نرنو إلى أضاحينا بعد أن أغوتنا الخفة والهلهلة  في ابتسامات خبيثة!!
 طشَّان هو غيمة المجاري السوداء : ارتواء المنافق الطشُّوني ..اليد الطولى الطشُّونية .. اللسان الطشُّوني المقذع .. التسليط الطشُّوني… الخبث العنشوبي .. التزوير العنشوبي ..لا فضيلة  في فساد الطشّوعَنشوبية، على أية حال..!!
أيها الفأر العزيز القابع في عبي.. لا تلعب بعد اليوم  ..لنضحك ..فشر البلية ما يضحك..
قلت لطشَّان العنشوبي ، وهو يتصنع النظافة في مواجهة البائسين من اليائسين،عندما بدأت أؤسس للجامعة الوطنية المفتوحة، وقد كنت أظن أنه  طرطور غير فاسد  :
-         لن أقف مع أعدائك  مهما تكن العلاقة بيني وبينك مستقبلاً..
الآن، ترن ذاكرتي بشتائمه  السوداء المنتنة الخرفة :
-         أنت حقير.. منحط ..صرماية ..
-         إذا أردت أن تختبر طرطورًا  فافتعل مشكلة معه ..
-         كانوا يريدون طردك من البلد ..وأنا منعتهم ..
-          أخبرني عن شيء واحد فعلته من  أجلي أو من أجل أي نظيف..
-          إذا عتّبت  عتبة جامعتي الطشُّونية المفتوحة سأضربك بصرمايتي ..
-         كنت أتصور أنك مثل أب سنًا ..لهذا تفانيت في خدمة الجامعة الطشُّونية المفتوحة  ، دون حقوق  أو ميزات ..
-          أنا لا أتشرف أن أكون "أبوك" .. صرمايتي  أشرف منك ومن "أبوك" ..
قل لي  يا فأري العزيز المتأمل في عبي ، ماذا بإمكاني أن أفعل بعجوز فاسد ، يتخمر فوق  كرسي أكاديمي كبير في جامعة فلسطينية حكومية مفتوحة،  يفترض أن تكون للوطن .. لا دكانة للفاسدين.. أو القوادين والسماسرة... هل أشتمه؟! .. أبصق في وجهه؟! .. أمد يدي إليه؟!..أدعو عليه  بمصيبة تحل فوق رأسه الأشيب البليد؟!..
الشيطان اللعين  يوسوس لي..يحرص على أن  يدفعني إلى أن أرد  عليه بأقبح مما فعل .. لكن لن أفعل .. لن أنهار .. سأبقى متماسكًا … ماذا تعني  الشتائم  الطشُّونبة ؟!  طشَّان  في النهاية العاقلة – في تصوري– يشتم نفسه.. عائلته .. أباه.. أمه!!
ركبت سيارتي ..سرت بسرعة جنونية .. توقفت عند باب " الجامعة الطشُّونية المفتوحة " .. كانت سيارته تسدّ المدخل كالعادة متفيّئة الظل الذي  يفترض أن يتفيّأه الناس .. من المؤكد أنه موجود .. سأدخل إليه ..سأبصق في وجهه.. أشتمه .. أمد إليه لساني مستهزئًا .. أبصق عليه مرة أخرى .. أضحك بهستيريا ..أتماسك وأنا  أخرج من الجامعة الطشونية المفتوحة  منتصرًا..
كانت الجامعة الطشونية المفتوحة هادئة .. باب مكتبه مفتوح ، لا  أحد عنده  .. بإمكاني أن أفرغ شحنة غضبي في تكسيره ومكتبه معًا .. كان يتحدث في الهاتف..سأنتظره حتى ينهي المكالمة الماجنة ..مرّ الفرّاش الطشُّوني..لا يستحق أية شتيمة..   تلاشى صوته ..يبدو أن المكالمة انتهت..
عندما نظرت إلى وجهه  الطشُّوني  المزور  القبيح تلاشت الشتائم كلها..تراجعت ..
ليس بإمكاني أن أشتم  عجوزًا قد خرَّف!! ليكن فاسدًا .. لكنني على أية حال لن أكون مثله!! هذا الرجل أنا الذي اخترعته من التخييل الرمادي ..فالأسود.. فالنفايات كلها ..كيف أدمره.. لا بد أن أجاريه لأكتب الرواية..لأكتب رواية "الانتهازي المسكين " ..ثم سميتها بعد الانتهاء من مسوّدتها  الأولى  باسم "طواحين السوس"!!
ضحك الفأر في عبي .. ضحكت .. قلت لفأري: أمن المعقول أن أشتمه؟! .. لم أتعود على شتائم العجائز.. منذ أن عرفته وهو يشتم ..لا يعرف من الحياة سوى الشتائم : الصرماية .. العرض.. الإذلال .. الحقارة .. الانحطاط ..إنه مكب نفايات!!
كان عليّ أن أتعلم منه بعضها ،لكنني لم أستطع أن أكتسب شيئًا  من ذلك  المستنقع الفاسد .. يبدو لي  أنه ينهار .. هذا ما يفعله المنهارون .. الشتائم ولا شيء غيرها!! ليس بإمكاني أن أكون مثله  فاسدًا!!
ومع ذلك صار زملائي مؤخرًا يتهمونني بالنميمة والوشاية على طريقة بطل روايتي  العجوز"  طشَّان العنشوبي" … حتى زوجتي  نصف الغبية  صارت تتهمني بهذه التهمة!!
لا بد أن أتأثر  بالمشهد المأساوي على طريقة "إميل زولا" ..
كيف سأكتب رواية إن لم أمارس بعض أجزائها  على سبيل التجريب!!
قال الفأر الذي صحا من حلمه فجأة : إنه ينهار ..فهل ترغب  في أن تنهار مثله !!
ليس بإمكاني أن أمارس الانهيار الطشُّوني  .. الانهيار العنشوبي..إن بيت العنكبوت لأوهى البيوت!!
 بإمكاني أن أمارس الكتابة ..
هكذا بدأت  رواية " طواحين السوس"!! ..إنها ضد الانهيار العنشوبي . عندما أكتب لوحاتها أكتشف امتدادات  تماسكي الحقيقي كامتدادات  تماسك  الأرض في مواجهة  أشواك الفساد الطشُّونية في وطني والمنفى!!
سخر الفأر الذي بدأ يغفو  على سرير عبي … تقزم المدير العام"  طشَّان العنشوبي" ، فبدا أصغر من فأر..اعتذرت لفأري الذي تململ محتجًا على التشبيه ..أكدت له أن في الفئران عظماء..وفيهم  أيضًا  من هم مثل " طشَّان"...وبعضهم يتفانون في مختبرات العلم..والفئران أقرب المخلوقات إلى الإنسان جسديًا !!
حكاية الفأر  الكبير الشأن الذي أنقذ الأسد الطيب  من شباك الصيد ..وحكاية الفأر الذكيّ الذي أشعل الحرب بين الأسد الشرير وصورته التي رآها في ماء البحيرة فمات .. وحكاية الفأر المغامر  الذي زار المريخ ..
اقتنع فأري  الضاحك بأنني لم أقصد الإهانة  عندما شبهت المدير العام  طشَّان العنشوبي   بفأر طشُّوني … أكمل فأري وقال: " طشُّوني خبير"!!
علينا أن نتماسك عندما تحاصرنا  شتائم الفساد الطشُّونية..نعدها  شيئًا  خارجًا عن الوطن وترابه  وإنسانية خضرته ..
وفي نهاية المطاف ، صدقوني ..إن   طشَّان العنشوبي لا يمثل إلا نفسه..وأنا ( زيد العامر)  عندما أتحدث عن فساد الجامعة الطشُّونية المفتوحة ، فلا أعني بها أكثر من مخيلة " طشَّان العنشوبي"  الذي يبني مؤسسة الفساد  الطشُّونية في فضاء تسامح الوطن ( فلسطين) الذي  لا يقبل في نهاية المطاف  عنشبة الورم  وطشَّنة الفساد ..!!
فإليكم أيها المخلصون الجادون في الجامعة  الطشُّونية   المفتوحة  أُقدِّم الفساد عاريًا كوجهه المزور !! فقد كنت قريبًا منه ، وأعرف عنه  أكثر مما أعرف عن نفسي؛  لأنني أدرك سوداوية تصرفاته  قبل أن تقع .. يجب عليّ أن أتخيلها  لأحذركم منها..عليّ أن أصور انهياره !!
فهل أنتم راضون  عن كتابتي؟!
ربما!!




(14)

سبعينية الفساد !!

هأنا قد انتهيت من كتابة مسوّدة رواية "طواحين السوس" ، وبطلها كما تعرفون  هو  العجوز السبعيني  الذي طفحت عيوبه ، ففجّر  هذه الرواية..صرخة  في وجه  فساده وأي فساد آخر..  سيان!!
الفساد، مهما تكن مستوياته ، يغري الكتابة الأدبية  التي  لا تؤمن فقط  بالحقائق الكبيرة .. إن الكتابة هنا قد تجعل من الحبة قبة ، أو من النملة فيلاً ، أو من الشرارة حريقًا ، أو من النكتة "البايخـة" مسلسلاً دراميًا ..هذا – كما يبدو - ما فعلته في هذه الرواية ..
 لا بد من أن أصرّ  على أن البطل العجوز السبعيني شخصية غير  موجودة في الواقع  ؛ لذلك أنصح  الجادين الفضوليين بعدم البحث عنه..  أو  البحث عن الجامعة الطشُّونية  المفتوحة التي "يتمدرن"  طشَّان العنشوبي على كرسي إدارتها  .. أو عن البيئة الفلسطينية  التي يحتويها  هذا السرد التخييلي …
قد تكون الكتابة السردية التخييلية أقل واقعية  من الواقع نفسه أحيانًا، لذلك أيضًا أنصحكم  ألا تنخدعوا ، ومن ثم فعليكم  أن  تبحلقوا في واقعنا  لتروا الفاسدين  بصفتهم حقائق مرّة  في حناجرنا إلى درجة العلقم أو الحنظل!!فطشان العنشوبي يمكن أن يكون فاسدًا في المرحلة الابتدائية، في الوقت الذي نجد فيه فاسدين قد حصلوا على مرتبة الأستاذية ما بعد الشيطانية في هذا المجال  المزبلي!!
لقد كرهت العجوز السبعيني فكتبت عنه..اخترعته من مخيلتي لأنني يجب أن أكتب رواية  في بضع سنين عن شيء قبيح فاسد نما في وطن الغياب وترعرع.. فكنت أبحث في الواقع عن تجربة خيالية أعايشها لأكتب عنها..فكان أن وجدت رجلاً _ مع اعتذاري للرجال عن امتهان معنى الرجولة- عجوزًا سبعينيًا ، لم يتب، تفصل بيني وبينه ثلاثون سنة..تصورته في لحظة ما - غير بشع،فظننت أنه يعدّ جيلي مثل ابن  لم ينجبه..وتصورت نفسي أعده مثل أب عقيم ..ثم تصورته يحارب الأبناء كلهم  فيشتم نفسه عندما يشتم آباءهم الحقيقيين ..لأنه -في المحصلة- في  درجة سنّ أي أب عاق ..فهل كنت متجنيًا على الفساد الموضوعي عندما تخيلت  هذه الشخصية -  في  واقعنا الفلسطيني المأزوم منذ عشرات السنين - تعبر عن كينونة رائحة  فساد إداري أو اجتماعي  أو أخلاقي أو علمي أو كلها معًا!
أنا شخصيًا بوصفي راويًا لهذه الرواية، وأحد أبطالها، أعد نفسي  شخصية متخيّلة في ذهن الكاتب حسين المناصرة،  الذي يضع اسمه على غلاف رواية" طواحين السوس" !!
في ضوء هذا التصور يصعب أن أروي رواية  إذا أخذت في الاعتبار الحكمة السماوية " إذا بليتم فاستتروا "!! كما يصعب أن أروي رواية  لقارئ ذكي  يبحلق في الواقع بحثًا  عن صدى لشخصيات يقرأها في القصة ..
من هنا  أؤكد للجميع  أن هذا السرد  تخييلي مئة بالمئة،  حتى مع الاكتشاف أنه  واقعي مئة  وخمسة بالمئة ..فالتخييل السردي  هو  في حقيقة أمره  واقع  معيشي ، لأن الرواية من الناحية الجمالية حياة معيشية وواقع  بكل المعاني الممكنة!!بل يعد واقعنا الفلسطيني  أكثر غرابة من الخيال، في الأقل من خلال  نشرات الأخبار في التلفاز!!
لم أجد أية صعوبة في تسمية بطل رواية " طواحين السوس"  باسم "  طشَّان العنشوبي" ، فقد وقع هذا الاسم في مخيلتي وقوع الشهاب  الذي لا يعرف  شعبيًا من أين جاء وإلى أين ذهب ..
من الناحية الشعبية  أيضًا، توجد دلالات عميقة  في لفظتي "  طشَّان" و"العنشوبي"..لكن كان لابد لي من العودة  إلى معجم "لسان العرب" للتعرف إلى بعض الدلالات الفصيحة الناتجة عن هاتين  الكلمتين ..
كانت البداية  مع كلمة "  طشَّان " . وضعت جذورها على نحو : طشن أو طنش  أو طشو  أو طشش  أو طوش أو طيش…واكتشفت – من الناحية التعسفية -  أنها  لا بد أن  تكون من "طيش"..والطيش خفة العقل .. أي النزق والخفة.. وطاش الرجل بعد  رزانته.. وطيش العقل ذهابه حتى يجهل صاحبه ما يحاول ..وطيش الحلم خفته.. ورجل طائش من قوم طاشة، وطياش من قوم طياشة : خفاف العقول !! هذه اللغة الطشطشية  تنطبق على العجوز  طشَّان  الذي ربما  طاش بعد رزانته، ولا أعتقد أنه كان رزينًا في يوم ما ..فكثر فساده من غير أن يدري ..حتى عمّ .. فصار طشّةً  ، أي داءً ( فسادًا )  عجوزًا يصيب الناس كالزكام!!
أما العنشوبي فهو لهجة فلسطينية تجعل كاف العنكبوت شينًا..والعنكبوت دويبة تنسج في الهواء وعلى رأس البئر نسجًا رقيقًا مهلهلاً،لذلك ضرب الله تعالى بيت العنكبوت مثلاً  لمن اتخذ من دون الله وليًا؛لا ينفعه ولا يضره،كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرًا ولا بردًا..وإن أوهى البيوت لبيت العنكبوت!!
هكذا يبدو العجوز "  طشَّان العنشوبي" نمطًا للغة الطنشوبية( الفاسدة) وأفعالها  الخفيفة المهلهلة  في واقع حياتنا العربية  الفلسطينية  من الجهة الطشُّونية..وفي مسيرة الجامعة العربية  الفلسطينية  الطشُّونية  المفتوحة  على وجه التحديد من الجهة العنشوبية ..
فهل ترون أني أبالغ  في فلسفة  اللغة الطشونية ( الفاسدة)؟!
 ربما !!
أريدكم أن تصدقوا أنني  أكتب رواية تهمكم ..لأنها تسعى  إلى غسلنا من أدران  الفساد الماثلة في خفة  العقل من جهة .. وهلهلة البيت من جهة ثانية ..
ليس بإمكاننا  أن نرمي الحجارة على بيوت أعدائنا  وبيوتنا  من نسيج العنكبوت !! كما ليس بإمكاننا  أن نتحدى أعداءنا وفينا طيش خفة العقل..
هل اقتنعتم الآن بأن  محاربة الفساد  لا بد أن تكون العتبة الأولى  المفضية إلى عتبات محاربة مغتصبي أهلنا وأرضنا وآمالنا في وطننا المغتصب!! كيف  نرعى أبناء الشهداء ونساءهم  إذا كان المفسدون في الأرض  من أبناء جلدتنا  يسرقون أموال يتامى الشهداء ليصرفوها على حفلات مواخير الليل؟!
قد تظنون أني أبالغ !!
 لا بأس ، فأنا أعترف  بهذه المبالغة  إذا كانت  أدنى من طموحاتكم، بمعنى  أنني أخفي حقائق كثيرة.. قد لا تتسع لها  جماليات الكتابة الإبداعية في تصوري!! في تصوري أنا الراوي زيد العامر الذي يحارب طواحين الهواء الفاسدة ..إذ يتميز الفساد  في رجالنا الطشُّونيين  أنهم  غدوا عجائز في مجالهم  الطشُّوني( الفاسد)، فبعضهم قد تجاوز سبعينية الفساد!!


(15)

الأباتشي..   !!

                                                                      
التفتُّ إلى الشرق ؛ قبيل مغيب قرص الشمس، فرأيتُ بقايا الضياء تنزاح  بعفوية الملل  الساكن في خطوات الرحيل ..
تسير " بقايا"  العجوز السبعيني  بجانبي " طرطورًا "   محملاً بنتف ضياء خافت  .. كأنه  يشعر في قرارة  نفسه  بأنه غدا  بقايا أشياء  مهلهلة أو خفيفة!!
 قلت له : ألم تيئس من الحياة ؟! أعني  ألا زلت تحبها؟!
بدأت ملامحه تضطرب شيئًا فشيئًا..يبدو أن سؤالي أزعجه ..خاصة في حال تصوره لأعماله الطشُّونية الفاسدة..تمالك أعصابه  كما يتهيأ لي !! برقت عيناه.. ثم كأنهما مالتا بعيدًا عن وجهي المسكون بالاشمئزاز من تصرفاته الخرفة..أو ربما أنا من أبعد عينيّ  الوسنتين عن وجهه المغموس  في بقايا الخريف المتساقط  تحت الأشجار المزروعة في مجاري الحي الشعبي ..
لم أصدق أنه سيزهد  يومًا ما من  عشق  توافه  الأشياء الفاسدة  في حياته.. فقد أتعبتني تصرفاته الهوجاء خلال سنة تقريبًا ؛ أتنقل به من مكان إلى آخر .. يشتري ربطات  العنق المتوردة ، والقمصان الفاتحة..وصبغات الشعر الشقراء ..والأحذية الشبابية ..!!
صار  سؤالي  توبيخيًا ..قلت له : ألا تجيب ؟ !!  قل بصراحة : لماذا تحب سخافات  الحياة إلى هذه الدرجة من الجنون ..؟!
قال بعد أن ابتلع غصة ريقه اللزجة ببقايا تبغ فاخر: لما كنت أدرس في بغداد ،التفّتْ الفتيات حولي كأعداد النمل الهاجمة  على قطعة حلوى ضخمة؛ يسيل منها الكلام الناعم الذي لا يستطيع أن يقوله أي شاب آخر غيري.. المتفتحون  من الشباب آنذاك مثلي يعدون على رءوس الأصابع، وأنا كنت  "أشطرهم في الإغواء".. الفتيات  - على العموم – كن كالنمل.. وكنّ قريبات من قبضة اليد..!!
لا يعجبه أني دومًا  أقصقص ريش كلامه النسوي  الأسود ، فأدفعه – في العادة -  عنوة إلى أن يختزل  بعض الجمل  الأباتشية النسوية المحدودة..فأقطع  عليه الطريق ؛ لينتقل الحديث بيننا إلى موضوع آخر لا يحبه ..فيشعر بأني أتقصد أن أعدم لغة ذكرياته " الدونجوانية" في برودة أحاديث  خروقات إدارته للجامعة الفلسطينية الطشُّونية المفتوحة!!
تراودني نفسي كثيرًا في  أن أبصق في زاوية شارع ما ممتلئ بالنفايات المهملة..وحينها  قد لا أتوقع  أن يؤوِّل له عقله المحدود  إمكانية  أن يكون الغرض من  هذه البصقة  التافهة  موجهًا بطريقة مجازية  إلى  وجهه  الأشيب المهلهل مادام  يمتطي أحذية الفساد قبعة وسروالاً.
لا توجد لديه رغبة في أن يتوب  في تصوري..  كنت أتماسك  ، فتبدو أعصابي هادئة تجاه من أعتقد أنني غدوت مسؤولاً عنه في أروقة الحجر العقلي العرفي..فأخاف أن يدس نفسه تحت  عجلات شاحنة نفطية ، فيموت .. أليست الأموال الحرام  تفعل بأهلها مثل هذه الأفعال الشنيعة في نهاية أعمارهم..هذا ما  علمنا إياه أستاذ التربية الدينية منذ منهاج الصف الرابع الابتدائي !!
دكَّت الطائرات الغازية  بغداد دكًا..واستمر الرجل السبعيني  ، أو كما كنت أسميه:"صديقي العجوز"، وأصبح اسمه في هذه الرواية "طشَّان العنشوبي"،يتحدث عن مغامراته  في أجساد الفتيات البغداديات..يبدو أن داخله يتألم لضياع تلك الأيام المشبعة بالنبيذ والنساء!! يأمل  أن تعود إليه الذكرى المشبعة بغنجهن ..
قال :ربما تعود حياة الماضي بعد أن ينجح "التحرير الأمريكي لبغداد"!!
-         أتمزح ..الأمريكان يريدون أن يحرروا بغداد؟!
-         حتى وإن كانوا محتلين، فهم  الأفضل من صدام !!
لم أعد أتابع هذياناته " التخبيصية " ..فجأة وجدت نفسي انتقل بذاكرتي إلى رواية "رجال في الشمس"  لغسان كنفاني..فأتذكر العِنّين أبا الخيزران  الذي أضاع ثلاثة رجال منكوبين في جوف خزان شاحنته الطشُّونية، أضاعهم وهو يتحدث مع جوعى الأختام في مركز الحدود عن  مغامراته الوهمية  في جسد الراقصة العراقية كوكب ..فكل الذين يذهبون إلى  بغداد عاصمة الرشيد يخرجون  بحكايات وهمية  كحكايات "ألف ليلة وليلة"!!
* * *
عندما اشتد القصف على " رام الله " كانت ذكريات   العجوز  طشَّان العنشوبي  تنصبّ  على نبش ذكرياته مع فتيات " الجامعة المحتلة" في فلسطين ، فتيات يحطن به،كما يزعم ، بل يكدن أن يخنقنه بأجسادهن الممتلئة بروائح  النعناع  وزيت الزيتون .. ومطابخ الأرياف..
كأنه  كان الذكر الوحيد في كلية الآداب آنذاك!!
في رأسي يرن كلام  تلميذه  القديم؛ يصفه قائلاً : " كان سخيفًا ..بدأت سخافته عندما دخل إلينا في المحاضرة الأولى ..كنا أكثر من أربعين طالبًا وخمس طالبات ، فقال بخبث دونجواني:( عينوا واحدة من البنات الجميلات ؛ لتكون حلقة وصل بيني وبينكم) ..كان " بنوتيًا" وقحًا !!"
لم أفهم لماذا تمنى بعد أن تحدث  عن ذكرياته الدونجوانية هذه ، لو أنهم  يقتلون " كبير المقام" في "رام الله "؛ كي يريحونا منه ، ويخلصنا من يجيء بعده من تَيْسُون هنا وهناك!!
الطشُّونيون لا يطيقون بعضهم بعضًا!!
نظرت إلى صورة " كبير المقام" المعلقة فوق رأس  العجوز  طشان العنشوبي مدير عام الجامعة الطشُّونية  الحكومية المفتوحة ..يبدو أنه  اعتنى بتعليقها  إلى درجة فائقة.. علق أولاً سجادة فخمة ، ثم ألصق عليها صورة "كبير المقام" فوق قبة الصخرة الذهبية !!
 قام عن كرسيه  الفخم ، جلس بجانبي.. كانت جيوبه تمتلئ بأموال الجامعة الطشونية المفتوحة التي يعطيني  إياها لأعدها بسبب ضعف بصره  ..وارتجاج عصب  يديه .. بل إن حساب الجامعة الطشونية المفتوحة كله في حسابه الخاص..لأن  دولة "شعبنا المسكين"  - كما يقول - لم تقم بعد ، ولم تقم في الوطن دولة المؤسسات بفعل الاحتلال..
يبدع  في غزل  مبادئ الأمانة المزيفة التي يتمتع بها ، على الرغم من أنه منافق كبير  ، مما يجعلهم يثقون به؛ لذلك  تركوا  أموال الجامعة الطشونية المفتوحة  تغفو في حسابه الخاص ،  وكل  ما يصرفه -  على حد تعبيره – يسجل بالفواتير، بما فيها فواتير  "الفاين" الخاص الذي يمسح به مؤخرته المتهتكة !!
كان يتحدث  عن " شطارته " في  الهروب هو وأخوه قبيل " الانتفاضة " من "جنين" إلى "عمان"، ثم حوّل هذا الهروب إلى تغيير  مواقع المواجهة ، فصار  بذكائه مديرًا عامًا لمكتب الجامعة الطشُّونية المفتوحة  في " عمان" ، ثم مديرًا عامًا  للجامعة الطشُّونية المفتوحة في الإمارات، وصار أخوه ، أيضًا، مسؤولاً كبيراً في فرع " الجامعة الطشونية المفتوحة الحكومية " في "عمان" !!
كان يحدثني عن رؤيته  لصدور فتيات الجامعة الطشُّونية  الفلسطينية المفتوحة  في "دبي " ، وكيف أنهن كن في الجامعة الطشونية المفتوحة التي يرأس إدارتها شبيهات بالعاريات، فيرى مما يرى"حلمات" أثدائهن ..كان حديثه هذا خلال  تدمير  "صواريخ الأباتشي" لأحياء واسعة في " رفح الصامدة" .. فاختلطت أحاديثه عن النساء بصور "الأباتشي"، ولم أفلح  ، وهو يحدثني، في أن أجد مكانًا ؛لأبصق  فيه بصقة ممتلئة بدود ذكرياته المنتنة..
  قلت له : خربت الجامعة الطشُّونية هناك .. وتريد أن تخربها هنا ..؟!!
انفجرت طشُّونيته التسليطية ضدي !!
أكثر ما أزعجه عندما جاء إلى هنا ؛ أنه لم ير وجه  مديرة مكتبه ..فلعن الظروف التقليدية التي أجبرته  على أن  يعين واحدة لا يرى سوى عينيها نافرتين من  خيمة سوداء ، لا يكاد يسمع صوتها عندما تحدثه .. إنها في التصور العام محترمة جدًا..
قال لي ساخرًا ، وربما جادًا: "سأسحب  في يوم ما  حجابها عن رأسها عنوة..لأرى وجهها" !!
حذرته – قرفًا من أفكاره  العجوزية المتصابية- من هذه العملية الطائشة المجنونة فيما لو مارسها..!!
- قد تقطع رقبتك تعزيرًا  في " المعيقلية "!!
سمعت  مكالماته الدولية تمتد  لعشرات الدقائق مع مديرة مكتبه  السابقة في " عمان ".. يدير الأحاديث معها  عن ذكرياته  الدونجوانية هناك .. وتدفع الجامعة الطشونية المفتوحة فواتيره ، بما فيها فاتورة "عشرة الدراهم" التي  تعشينا بها ، أنا وهو ،  فطائر  - على حسابه - في المطعم التركي في "السليمانية"، بعد جولات وجولات من أكله المجاني على حسابي !!
يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا احتاج  الموظفون في الإدارة  لـ " خمسة دراهم" ثمن قارورة ماء، بعد أن انتهى ماء القارورة التي يصرفها – عادة -  لمرة واحدة في اليوم..وقد رفض أن يعين "أم الأيتام" براتب زهيد ؛ لأنه كما قال لي: "لا يريد أن يحوّل الجامعة الطشونية المفتوحة  إلى  دار للأيتام"..ثم عين راقصة على حد تعبير أستاذ الرياضيات!!
"النساء"  تحفر في رأسه .. و" الأباتشي"  تحفر في رأسي.. صرت مجنونًا في مواجهة الطشُّونيين.. وكثرت النساء   الأرباع .. والعوانس حوله.. فكان عليّ أن  أبتعد عنه  آلاف الأميال  ، خوفًا من أن أتهم بأخلاقياته الطشُّونية.. !!
الفأر الساكن في عبي يدفعني إلى أن أكتب . أن أتخيل  العلاقات المجنونة .. لكنني لن أكتب.. كيف أكتب  وقد أخبرته عن الفتاة التي  جلس معها رفيقه الطشُّوني  في عتمة الليل  في غرفة منزوية في " الجامعة الطشُّونية المفتوحة"..فكنت أنا المتهم  وهو البريء ..!!
  تبدو كتابتي عن "الأباتشي" الصهيونية،  أرحم لي  من الكتابة عن "أباتشي" الفساد في وطني!!