الاثنين، 28 مايو 2018

انتقام حسن حجاب الحازمي قصة قصيرة جدًا




انتقام 

حسن حجاب الحازمي

 وهو عائد من المسجد -بعد صلاة العصر- رأى ابنته نورة الناجحة للتو من الصف الثالث المتوسط،  تنظر من نافذة غرفتها إلى الشارع. استعجل في خطواته، وطوى أوراده في نفسه، سامحًا للشيطان بالوسوسة.
اقتحم غرفتها وسألها بنبرة حادة، وهو يهوي بالعقال على جسدها، دون أن يتيح لها فرصة اتقائه:
-         ليش فتحت النافذة؟
قالت مرتبكة وخائفة ومندهشة:
-         أشم هوى، أغير جو الغرفة.
فتح النافذة كاملة، أخرج جذعه، تطلع يمينًا ويسارًا، ونظر إلى الأمام طويلًا، يبحث في النوافذ المقابلة عن ظل رجل، فلم يجد شيئًا، قال في نفسه: لعله اختفى، أقفل النافذة بعنف، واتجه إلى ابنته المنكمشة على نفسها صارخًا:
-         من الآن فصاعدًا ممنوع فتح النافذة، مفهوم؟
وصفق الباب خلفه.
اتجه مباشرة إلى النجار، حمله معه إلى البيت، أخذ  مقاسات النوافذ التي في الدور العلوي، وقبل صلاة العشاء ، وهو يسبح ويستكمل أوراده، نظر إلى نوافذ بيته نظرة مطمئنة، وأكمل سيره وتسبيحه.
في تلك اللحظة، كانت (نورة) قد صورت النوافذ من الخارج، وأرسلتها عبر جوالها إلى كل العالم.

صور حسن حجاب الحازمي قصة قصيرة جدًا


صور
حسن حجاب الحازمي
لم يعجبه شكله في مرآة غرفة النوم، بدا فيها أكبر كثيرًا من سِنّه، وبدا وجهه كئيبًا على الرغم من ابتسامته الكبيرة التي تصنّعها. نظر إلى نفسه مليًا، اقترب أكثر من المرآة ، فازداد وجهه قبحًا، ظهر خطان غائران  ينحدران من زاويتي أنفه باتجاه أسفل ذقنه، وبدت شعيرات الشيب الصغيرة النابتة أكثر وضوحًا ، وكأنها أشواك قنفذ تنغرس في عينيه، ولفتته التجاعيد البارزة بجوار زاويتي عينيه. تراجع إلى الوراء فاختفت تلك التفاصيل الصغيرة المقلقة، ولكن ملامحه لم تتضح له تمامًا. ارتدى نظارته، فبدا له الوضع أفضل قليلًا، غير أنه لا يزال في دائرة القبح ، لم يجاوزها.
دخل الحمام مستاءً، رأى وجهه في مرآة الحمام بصورة مختلفة، فرّش أسنانه، وغسل وجهه بالصابون، وتأمل نفسه مليًا، فرأى صورته هنا أفضل، اقترب وابتعد واقترب وابتعد، ابتسم لنفسه برضا.
عاد إلى غرفة النوم، نظر إلى وجهه مرة أخرى فلم يعجبه. تأفف وعاد مرة أخرى إلى مرآة  الحمام، كان هناك فرق واضح بين الصورتين، ابتسم مطمئنًا، وعاد ليكمل لبسه، ارتدى ثوبه، وغترته وعقاله، نظر إلى نفسه نظرة أخيرة في مرآة غرفة النوم، ثم أغمض عينيه، ومضى مسرعًا إلى مرآة الحمام، ابتسم وغمز لنفسه وخرج.
في السيارة، بدت صورته في المرآة أكثر جمالًا وإشراقًا، ارتاح كثيرًا، وظل بين الفينة والأخرى ينظر لنفسه بإعجاب، وفي خاطره يتسلق سؤال، لم يجد له جوابًا: أيّها صورته الحقيقية؟!