ملامح ملحمية في السرد العربي القديم
إن "السرد فعل لا حدود له. يتسع ليشمل مختلف الخطابات سواء كانت أدبية أو غير أدبية، يبدعه الإنسان أينما وجد وحيثما كان. يصرح رولان بارت قائلاً: "يمكن أن يؤدى الحكي بواساطة اللغة المستعملة شفاهية كانت أو كتابية، وبوساطة الصورة ثابتة أو متحركة، وبالحركة، وبوساطة الامتزاج المنظم لكل هذه المواد. إنه حاضر في الأسطورة والخرافة والأمثولة والحكاية والقصة، والملحمة والتاريخ والمأساة والدراما والملهاة، والإيماء واللوحة المرسومة، وفي الزجاج المزوق، والسينما..." (مدخل إلى التحليل البنيوي للسرديات، مجلة كومينيكاسيون 8، 1966، ص7).
وبين أن ما يقصده بالسرد العربي القديم هو سلسلة تمتد من الملاحم الرافدية (جلجامش، وغيرها)؛ وهي الملاحم التي تأثر بها الإغريق من خلال شاعرهم الكبير هوميروس، ونجد آثار تلك الملاحم واضحاً في دراسات أقامها باحثون من العرب، دعت الورقة إلى مراجعة دراساتهم أمثال الدكتور عادل جاسم البياتي في كتابه (كتاب أيام العرب، قبل الإسلام لأبي عبيدة، القسم الأول، دراسة مقارنة لملاحم الأيام العربية، جامعة بغداد 1976م)، وكتاب الدكتور محمد نجيب البهبيتي (المعلقة العربية الأولى أو عند جذور التاريخ، مجلدان 1401-1981، دار الثقافة، الدار البيضاء-المغرب)، ومجموعة أعمال الدكتور سعيد يقطين، والدكتور عبد الله إبراهيم، وكتاب الدكتور فضل العماري (الدم المقدس عند العرب، مكتبة التوبة 1425هـ2004م)، وكتاب الدكتور ياروسلاف ستيتكيفتش عن العرب والغصن الذهبي، وكتاب الدكتور منذر محمد (الجذور الرافدية للملحمة الإغريقية، بالإنجليزية)، وما قدمه سليمان البستاني في مقدمة الإلياذة. وغير ذلك مما يمكن أن نخلص منه إلى رؤية توفر عناء العودة إلى البداية في كل مرة. وقد أبرز الدكتور البقاعي بعض الملامح الملحمية في السير الشعبية (التغريبة الهلالية) وفي كتب التيجان، وأخبار عبيد بن شرية، والإكليل، وبين كيف انتقلت الأساطير اليونانية عبر الإسرائيليات إلى المفسرين فصار لدينا ما يعرف بالتفسير الأسطوري، بل إن شخصيات تاريخية تحولت إلى شخصيات أسطورية، وذكر أمثلة على ذلك.وقد طرح الحاضرون تساؤلات إشكالية ، أثرت الندوة ، وعمقت إشكالية الالتفات إلى السرد العربي القديم،من منظور المنهجيات النقدية المعاصرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق