السبت، 15 يناير 2011

وحدة السرد


وحدة السرد
 بقلم:  د. حمد البليهد

أي شيء دهى السرد حتى صار هو الأدب!  بل أي شيء دهى الأدباء والمثقفين حتى أكثروا من السرد!
بهذين السؤالين عبر صديقنا الدكتور إبراهيم التركي قبل سنوات خلت عن دهشته وهو يتأمل المشهد الثقافي العالمي يحث الخطى نحو السرديات وينصرف عما سواها، حتى غدا السرد هو ديوان العالم وليس العرب وحدهم؛ فقد «انحسرت صيغ التعبير القديمة» وفقدت كفاءتها وقدرتها على تمثيل تحولات الواقع، فتراجعت بصورة لم تشهدها الآداب العالمية من قبل، والأدب العربي بصفة خاصة، فبعد أن كانت مقولة «الشعر ديوان العرب» هي البوصلة التي تقود الثقافة العربية أزمنة طويلة، ومن أجلها تم استجلاب نظريات ومناهج غربية لمقاربة صفحات ديوان العرب، حدث ما لم يكن بالحسبان، وتغيرت أشياء كثيرة «عندما تغير العالم» بحسب جيمس بيرك.
ولم يقتصر الاهتمام المدهش بالسرديات على المنابر الإعلامية بشتى وسائلها لتساق طبيعتها الترويجية ذريعة لكل ما هو جديد، فالأمر للمتأمل أعمق من هذا التبسيط وأشد تعقيداً، فقد فرض السرد نفسه بكل ثقله وتنوعه على الدرس الأكاديمي في أعرق جامعات العالم، وأثبت حضوره في الأبحاث والدراسات العلمية، وتأسست من أجله مراكز ومختبرات في أقسام العلوم الإنسانية، اهتماماً بأشكاله ومجالاته، وبحثاً في ما أنتجه من مفاهيم ومصطلحات.
وإذا كان الإنسان كائنا سرديا بالفطرة، يميل إلى رغبة القص، فلا يمكن تفسير ما أنتجته الشعوب من أشكال السرديات بأنها مجرد وسيلة لهو لتمضية الأوقات، أو أنها حقل لتدوين الأخبار والوقائع، بل هي أنظمة لغوية تحوي في طياتها ثقافة الشعب وحضارته وقيمه وأفكاره، ولأجل الكشف عن هذه الكنوز المخبوءة من الأنساق المتنوعة حظي السرد بهذا الاهتمام المتزايد على مستوى البحث العلمي.
وقد حظيتُ الأسبوع الفائت بدعوة جميلة لحضور الاجتماع التمهيدي الأول لوحدة السرد في قسم اللغة العربية، وهي نواة فتية لمشروع طموح تم بلورته حديثاً في سياق الاهتمام العالمي بتلك التغيرات الكبرى التي طالت جوانب مختلفة من جوانب النشاط الإنساني كافة، ويستمد هذا المشروع أهميته من طموحه لتمثيل هذا التنوع في صيغ التعبير الإنساني، ومحاولة سبر مرجعياتها الواقعية والثقافية، كما يستمد حيويته أيضاً من تنوع الأقسام الفاعلة ضمن هذا المشروع، فهي بمثابة روافد مهمة تضمن له التنوع والاختلاف والانفتاح على الآخر.
تمنياتي لكل القائمين على هذا المشروع بالتوفيق وتحقيق الطموحات المرجوة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق