الثلاثاء، 10 أبريل 2012

مشاركة حسين المناصرة في ندوة السرد والهوية 17 /5 / 1433هـ الموافق 9/ 4/ 2012 ملخص البحث بطلات بلا هوية!! مقاربة في رواية "الأرجوحة" لبدرية البشر الباحث د. حسين المناصرة
تفضي دلالة اسم "الأرجوحة" إلى هوية وفي الوقت نفسه لا هوية، لم تشكلهما المرأة لنفسها، وإنما شكلهما هذا المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه؛ لأن الذي يركب الأرجوحة – عادة- لا يحركها من ذاته حراكاً فاعلاً، ولا بد أن يكون هناك آخرون يحركونها، ولا يركبون عليها، ومن ثمّ فهم الذين يؤرجحون راكبها العاجز أو المهمش؛ وهذا الراكب بقدر كونه متثبتاً أو واهماً بهذا التثبت على أرجوحته، فإن إمكانية سقوطه عنها متوقعة في أي حين، وكثيراً ما يحصل وقوع الراكب كثير الحراك أو التمرد... ومن ثم يغدو سؤال الهوية و"اللاهوية" الرئيس هنا: هل هذه الأرجوحة التي تمثل القيم والنظم والأنسقة والمفاهيم التي استلبت فعل المرأة وكيانها أو كُوِّنت عنها، في مجتمع أبوي ذكوري منغلق هي الهوية أو "اللاهوية" بالنسبة إلى المرأة ؟! تجيب الرواية في مئة وستين صفحة عن هذا التساؤل المهم، من خلال حراك بطلات الرواية، وهو حراك "بطلات بلا هوية" عموماً، وهو العنوان الرئيس الذي عنونت به هذه المقاربة، في سياق إشكالية الدور الاجتماعي أو "الجندر" الذي تعيشه أو لا تعيشه المرأة في هذا التخييل السردي المسكون بالإيديولوجيا النسوية، التي تثير أسئلة كثيرة، أهمها سؤالان: ما هوية المرأة ؟ وما دورها في الحياة؟! ليست الإشكالية المحورية في وجود هوية للمرأة أو عدم وجود هذه الهوية، وإنما تكمن في فلسفة الدور الاجتماعي للإنسان في الحياة؛ أي عندما يحول هذا الدور إلى وظائف بيولوجية مقسومة بين الذكر والأنثى؛ ليعلو دور الذكر ويتضخم، في مقابل انتهاك دور الأنثى؛ ومن ثمّ لا بدّ أن تنتهك إنسانية المرأة، وحريتها، وثقافتها، وجسدها، ودورها في الاقتصاد، والمجتمع، والسياسة، والتعليم، وبناء الأسرة...إلخ، بحسب المنظور النسوي. وهنا تحديداً -في سياق هذا الانتهاك- تُهمَّش هوية المرأة، ويضمحل وجودها، فتغدو كبش فداء، إن لم تقبل أن تكون ثوراً يحمل العالم على قرنيه... في المجتمعات ذات الهيمنة الذكورية، التي تعبر عنها رواية "الأرجوحة" تعبيراً نسوياً عميقاً!! لنستعرض بإيجاز أبرز ملامح حراك معاناة بطلات الرواية الأربع، واستلاب هويتهنّ الأنثوية، وهوياتهنّ العرقية/ الاجتماعية: عناب، وسلوى، ومريم، وسوسن، بحسب هذا الترتيب، المستند إلى حجم درجة انتهاك دور كلّ منهن في المجتمع الذكوري، بحيث تصبح أسماء النساء ذات دلالة سيميائية في الكشف عن دور المرأة ووظيفتها السلعية التشييئية في المجتمع في المنظور النسوي. أولاً - عُنَّاب : 1- فتاة جامعية، سوداء(كرهت طفولتها بسبب لونها)، وقد تحولت أسرتها من طبقة العبيد إلى طبقة الخدم. 2- انتهك سيدها الأبيض جسدها، وهي طفلة في العاشرة من عمرها؛ لتزجّ وهي في هذا السن، ستراً للعار المهمّش أيضاً، زوجةً للسائق "عبده" اليمني الكهل العاجز جنسياً المشبع بالقات والخمرة والحشيش. 3- تدخل في فرقة "أم سليّم" للأعراس، وتمارس الجنس الآثم مع صديقتها موضي من جهة، ومع الثري عبد الله من جهة أخرى. 4- يتطور إيمانها بجسدها صيّاد الرجال، كاصطياد الوجيه الملياردير سلطان العاجي. 5- تتحول إلى "مومس" في فراش الأثرياء، انطلاقاً من قناعتها بأنها وحدها تملك جسدها الفاتن ؛كاسمها " عُنَّاب"!! 6- تغدو حياتها مغتربة عبثية مسكونة باللهو والمجون: التدخين، والخمرة، والحشيش، والملاهي الليلية، وممارسة الجنس الآثم!! ثانياً – سلوى : 1- فتاة جامعية ، نمت كنعجة – كما تقول- في أسرة ثريّة وذات سلطة، بها تسع أمهات، وهي أسرة "خضيرية"!! 2- تحب جارهم يوسف بن عيسى، لكنها تجبر على أن تتزوَّج أخاه عبد الرحمن. 3- يضربها زوجها عبد الرحمن ويكسر أضلاعها مراراً، ويقدم لها الهدايا الثمينة تعويضاً وندماً عن أفعاله، فتتولد لديها ظاهرة حبها للمال، ولو على حساب كرامتها وإنسانيتها!! 4- تُطَلَّق من عبد الرحمن، ثم يتزوجها سلطان العاجي زواج مسيار لتغدو كاسمها " سلوى"، ومن ثمّ يصبح هدفها في الحياة أن تتمتع ببقايا فحولته ، والأهم من ذلك بماله الوفير... 5- يطلقها إخوتها من سلطان العاجي، لتبقى علاقتها به، وتتوثق صلتها بصديقتها أيام الجامعة "عناب". 6- تغدو حياتها مغتربة عبثية مسكونة باللهو والمجون: التدخين، والخمرة، والحشيش، والملاهي الليلية، وكذلك ممارسة الجنس الآثم!! ثالثاً – مريم : 1- فتاة جامعية قبيلية، معلمة مدرسة، تحاول دوماً أن تتمرد على القيم والأعراف القبيلية التي تستلب النساء. 2- تحب مشاري، وتقيم معه علاقة عاطفية محتفظة بعذريتها للزواج، ثم تنتهي هذه العلاقة بالزواج، الذي لا يلبث أن يدخل في دائرة الفشل. 3- تبحث عن الحب من خلال الزواج فقط، وتحديداً من خلال حبها لزوجها مشاري، الذي يضيع في الهروب من البيت، وتعاطي الخمرة، والحشيش، وربما الجنس المحرم، كصديقتيها سلوى وعناب. 4- تطرح أسئلة كثيرة في سياق البحث عن هويتها في مجتمع أبوي تقليدي، وعن هوية المرأة عموماً، في سياق المقارنة بين بطلات الرواية وشخصية "مدام بوفاري" في الرواية التي تحمل هذا الاسم للروائي الفرنسي جوستاف فلوبير. 5- ترفض الانغماس كصديقتيها سلوى وعناب أو كزوجها مشاري في اللهو والمجون: التدخين، والحشيش، والخمرة، والجنس غير الشرعي؛ وهي بذلك تبقى كاسمها مريم منقطعة عن الرجال. 6- تعتقد أن ثقافتها وقراءتها للكتب هما السببان المباشران في كونها امرأة مختلفة عن نساء أسرتها المستسلمات لواقعهن أولاً، أو عن صديقتيها المستسلمتين للهوههما ومجونهما ؛ لذلك تغدو حياتها مغتربة لا عبثية!! رابعاً – سوسن : 1- تبدو أكثر تحرراً وانفتاحاً؛ لأنها فتاة شيعية. 2- كأنّ زواجَها ناجحٌ. 3- يعدّ مذهبها مرفوضاً في البنية القبيلية المهيمنة على المجتمع. 4- لا يوجد لها حراك أو صوت فاعل في الرواية، وكأنها كاسمها "سوسن" نبت أعجمي!! النتائج : في ضوء ما سبق، تبدو شخصية المرأة عموماً في رواية " الأرجوحة" بلا هوية، تعبر عن حقيقتها وصفاتها وتميزها. وكان دورها في المجتمع مهمّشاً ومستلباً، بسبب هيمنة القيم الذكورية القبيلية، التي تفعّل دور الذكر المتحكم بالأرجوحة، وتهمّش دور الأنثى التي تركب الأرجوحة. وحتى مع تشكل هوية أو هويات للمرأة – بغض النظر عن صلاحها أو فسادها- فإن تشكل هوية معينة في "اللاهوية" من منظورنا الواقعي أو المثالي؛ يعني أنّ هذا التشكل لابدّ أن يجري في مجرى غياب الهوية الشمولية الحقيقية المغايرة للمرأة، مادمت هذه المرأة، في المنظور السردي النسوي، تعيش في مجتمع أبوي (بطرياركي) يضطهد حريتها، ويحدد أدوارها، ويحجب فاعليتهاK ويحدّ من تأثيرها في المجتمع والحياة؛ وهي بذلك مسيَّرة لا مخيَّرة، كما تبدو في حيز أرجوحتها الضيقة، في مستوى الدلالات العميقة لهذا الحيز المستلب والمهمش والفاقد لأية هوية إيجابية، على الرغم من كون الأرجوحة ظاهرياً ظاهرة احتفاء وعناية بالمرأة في سياق التسليع أو التشييء!! لقد عبّرت رواية"الأرجوحة" من بدايتها إلى نهايتها عن إشكالية نساء بلا هوية أو هويات، وقد باء بحث المرأة عن الحب بصفته هويةً إنسانيةً مع الرجل بالفشل الذريع؛ لذلك يتحمل الرجل و المجتمع الذكوري المهيمن إثم غربة المرأة واستلاب هويتها، بل ضياعها في مفاسد الحياة وشهوانياتها المحرمة، الأمر الذي جعل نهاية الرواية مفتوحة نحو عوالم بدت أكثر قتامة وسواداً بالنسبة إلى المرأة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق