السبت، 9 نوفمبر 2013

مثقفون: الرواية السعودية لم تنشغل بالتاريخ كثيرًا

مثقفون: الرواية السعودية لم تنشغل بالتاريخ كثيرا

مثقفون: الرواية السعودية لم تنشغل بالتاريخ كثيرًا


تنتمي المملكة العربية السعودية إلى أمة ذات علاقة ضاربة في التاريخ بعلاقات وشيجة‘ وأحداث كثيرة فإلى أي مدى نجحت الرواية السعودية في استحضار التاريخ والتراث وتوظيفه فنيا لصالح القضايا المعاصرة؟
وهل تمكن الروائي السعودي من تفكيك تراثه وتاريخه والتعامل معه بقطيعة تحيله إلى آخر يتمّ التحاور معه بموضوعية لا كأب يفيض هباته المتعالية على المراجعة؟ هذا ما وجهناه إلى جملة من النقاد وكتاب السرد، فكانت الآراء التالية :
  تاريخ حاضر
في البدء يرى الدكتور حسين المناصرة أن الرواية السعودية لم تنشغل بالتاريخ كثيرا، ويضيف: لا أظن أن الرواية السعودية- بحسب ما اطلعت عليه  - يمكن أن تصنف في مستوى الرواية التاريخية التراثية العربية الممتدة من العصر الجاهلي أو قبل ذلك إلى ما قبل العصر الحديث؛ لأن الروائي السعودي انشغل بواقعه الاجتماعي وحيزه المكاني وتراثه أو تاريخه المحلي، وهذا لا يلغي استحضار بعض الشخصيات والأقنعة والحوادث التاريخية المحدودة بطريقة أو بأخرى... وهذا لا يجعل الرواية المحلية أو الوطنية بنية سردية تنتمي إلى وعي الأمة العربية وثقافتها ؛ فالقضية الفلسطينية - على سبيل المثال - بصفتها قضية العرب التاريخية الأولى، لم يكن حضورها  كقضية تاريخية جدلية لافتًا؛ لذلك بقيت هامشية في الرواية السعودية، باستثناء روايات محدودة جدًا.
ويضيف: يمكن التأكيد على أن هناك نجاحًا ما في مستوى التاريخ الوطني وتراثه؛ أي هناك قدر من النسق التاريخي التراثي المحلي في الرواية السعودية، وهذا أمر طبيعي؛ لأن خصوصية المشهد السعودي أنه مشهد حديث، بدأ بعد بداية عصر النهضة العربية في منتصف القرن التاسع عشر. وعن مدى نجاح هذا المستوى في الرواية السعودية، يمكن القول إن استحضار التاريخ والتراث المحليين لم يكن في المستوى المطلوب، فمسيرة الرواية السعودية خلال ثمانين عامًا تقريبًا هي تاريخ فن رواية حديثة أو معاصرة في وقتها.
يمكن القول إن الروائي السعودي استطاع مؤخرًا أن يفكك واقعه الاجتماعي وينتقده، لكن بالنسبة إلى التراث والتاريخ المحليين فقد بقيا عصيين على النقد والقطيعة من خلال الحيادية أو التغني بالماضي وتراثه في مواجهة ما أحدثته الطفرة الاقتصادية من تحولات، أسهمت في هروب السارد من حاضره المأزوم إلى ماضيه.
ربما بإمكاننا  أن نتصور وجود روايات تاريخية تراثية في المشهد السردي السعودي، لكننا لن نستطيع أن نتصور أن هذا الروائي أصبح قادرًا على تفكيك تراثه وتاريخه، لأسباب عديدة .
    تراث الصحراء
الكاتب والقاص محمد البشير يقول: عند التعرض لموضوع مثل استحضار التاريخ وتوظيفه لا نستطيع أن نضع الرواية السعودية في سلة واحدة، فالروائيون السعوديون ليسوا سواء، ولا ينبغي لهم ذلك، وللإجابة عن سؤال كهذا لا بد من اطلاع كامل على المنجز الروائي، وهذا ما لا يدعيه أحد في ظل الطفرة الروائية وأمام وابل المنجز الروائي، ولهذا سأحيل على دراسة أكاديمية للروائية ميرال الطحاوي والتي حازت بها درجتها العلمية للدكتوراة، التي طبعت بعنوان (محرمات قبلية / المقدس وتخيلاته في المجتمع الرعوي روائياً)، واعتنت الطحاوي برواية الصحراء خصوصاً، واتخذت نماذج عربية منها بعض روايات عبدالرحمن منيف، وبعض روايات رجاء عالم، ورواية الحزام لأحمد أبو دهمان، وسلطت الضوء على اشتغال هذه الروايات بموروث ثري ترك أثره في هذه الروايات، ولذلك كان جديراً بالدرس الأكاديمي، ولا شك أن لدينا نماذج أخرى من الروائيين اشتغلوا بالصحراء مثل عواض شاهر، وآخرون اعتنوا بالموروث مثل عبده خال، ويحيى أمقاسم في ساق الغراب، وكثير غيرهم ممن تركوا بصمة في منجزنا الروائي.
أما عند الوقوف على تفكيك هذا التراث والتعامل معه بقطيعة إلى درجة التحاور معه بموضوعية، فهذا يحتاج إلى بحث موازٍ للمنجز الروائي كافة.
   تجربة قصيرة
ويقول القاص أحمد العليو: أعتقد أن عمر الرواية السعودية قصير، وهي تحتاج إلى زمن يقوم بفعل التراكم حتى يعبر بها نحو قضايا متنوعة ومشارب متعددة. وأعتقد أن الكتابة واستحضار التاريخ يحيلنا إلى ركيزة مهمة وهي التاريخ وتوثيقه. فالتاريخ الذي يعد مرجعية هو غائب ومتوار، ربما هناك اعتماد واتكاء على الشفهي، وهذا ربما يجعل من الكتابة عن تاريخ المنطقة وتراثها كتابة تحتاج إلى كثير من الاستقصاء والبحث المتعب.
 ويضيف: تستحضرني رواية مهمة جدا في محور حديثنا، ولا يمكن التغافل عنها في المشهد الروائي السعودي، فهي إحدى الروايات التي تصور فترة تاريخية شهدت تحولات في كافة المجالات، وهي رواية «ساق الغراب» للروائي يحي أمقاسم. وهي رواية تسلط ضوءها العميق، وترثي حياتنا المعاصرة بشكل غير مباشر، وتفتح أبعادا كثيرة في حياتنا المعاصرة، لكن حسب اطلاعي البسيط أجد أن الروايات التي عالجت هذا البعد هي روايات قليلة جدا إن صح التعبير.
  أسر الحاضر
وفق رؤيته يقول القاص فاضل عمران: ليس من شك أننا نمتلك تاريخا ضاربا في التعقيد تتدلى منه آلاف الأساطير الشفاهية والمدونة، ثري بعادات وتقاليد سادت ثم بادت، وفدت عليه مئات الثقافات، واعتنق مجايلوه أديانا ومعتقدات عديدة لعشرات القرون قبل أن يصلوا لما هم عليه، وليس من شك ان قصاصات من كل هذه الأفكار ظلت عالقة لليوم كفسيفساء هائلة نمارسها في الوعي واللاوعي بشكل عفوي دون ان نلتفت إلى جذرها التاريخي، بل أكاد أجزم أن منطقة الشرق الأوسط التي نشكل جزءا جوهريا منها هي الأثرى عالمياً بمكنوناتها التاريخية والفكرية الهائلة وملهمة العالم في الخيال والأسطورة ونافورة خرافات لا تنبض.
ويضيف: المنقب بين هذه التلافيف لن يحتاج لإجهاد ذهنه بأي مخيال شخصي، فالنتاج المتراكم أمميا والمصقول بدقة من كافة زواياه عبر التداول الجماعي لآلاف السنين يشكل بناءً محكماً يمكن وصفه نقدياً بانه نص مكتمل العناصر. ولكن اين يقف هذا التراث مقارنة بنتاجنا السردي الحديث و المعاصر، وهل حملت رواياتنا وقصصنا جينات اسلافها؟
ويجيب: الإجابة باختصار «لا»، والسبب أن ماكينة الأسطرة قد تعطلت منذ عشرات القرون لظروف أيديولوجية بحتة فتوقف تداول بعضها وتجمدت أخرى، كما أن التدوين -رغم أهميته البالغة - قد عطل النقل الشفاهي الذي يثري جيلاً بعد جيل الحكايا المتوارثة، فعقم المخيال السردي لأجيال عدة قبل أن ينشأ في أوربا مجدداً بأدوات وقيم حديثة صُدِرت لاحقاً لبقية أنحاء العالم تحت اسم «قصة» و»رواية»، ذلك يعني أن الرواية الشرقية، والمحلية جزء منها، ليست امتداداً لهذا الموروث للأسف، بل هي عجينة غربية استوردناها وأتممنا طهيها وفق ذائقتنا الخاصة، فقضت على ما تبقى من الحكايا الشعبية وانتهى الزمن الشفاهي دون عودة.
ولا ننفي محاولة البعض في إضفاء اللمسة التراثية على أعماله وتقديمها على طبق حديث إلا أن هذه المحاولات تبقى محدودة ولا تتناسب بأي حال مع هذا التراكم الضخم، فحتى لو افترضنا اطلاع الكاتب على هذا الموروث إلا أن طغيان الواقع بسلطته المهيمنة واتساع الهوة بين حاضر صاخب وماض غائب فرضت حضورها بقوة وأقصت انسان اليوم عن أمسه تماماً، فكيف بقرون مضت؟! الواقع الجديد جعل منا اسرى اللحظة، نقاد بسرعة الضوء إلى مجهول لا نعلم ملامحه ولا مجال للالتفات للخلف.
ويختم عمران: أخيراً، جدير أن نعترف أننا مقصرون في الدراسة والبحث في حياة اسلافنا، معرفتنا شبه معدومة بثقافتهم وتقاليدهم وهواجسهم الحياتية، أجدادنا الذي عاشوا قبل عشرين قرنا مضت لا نعلم ماذا كانوا يأكلون وكيف يلبسون، بم يبنون بيوتهم وكيف يصنعون الخبز، وبأي طريقة يدفنون موتاهم وكيف يمارسون عباداتهم، وما نظرتهم للحياة والموت والمرأة وعلاقتهم بمكونات الطبيعة، وغيرها.
 ضد التوظيف
القاص والشاعر أحمد الربيح أكّد على ارتباط الرواية السعودية الوثيق ببيئتها، وسعيها للتعبير عنها مكانيا واجتماعيا كان حاضرا في أكثر من عمل روائي، إلا أنه تكاد الصحراء - بما لها من توابع مكانية وتأثير على الشخصية - تغطي مساحة واسعة من تضاريسها على التجربة الفنية بشكل عام في البيئة العربية السعودية، فجغرافية الأرض بما تملكه من علاقات وشيجة بالتاريخ إلا أنها لا تعدو إلا تلك الأشياء المرتبطة بالسُكنى والأكل واللباس، ولذا قلما تشهد البيئة السعودية معالم حضارية كتلك الرومانية مثلا أو اليونانية والتي تعتبر امتدادا طبيعيا يؤصل التراكم الحضاري الناتج عن أجيال متعاقبة مستقرة كانت تبني حضارتها لبنة لبنة.
 ويضيف: الوضع في الجزيرة العربية كان غير مستقر من حيث التوطن، يبحث عن الكلأ والمرعى أينما حل، مما استدعى التنقل المستمر، وهذا بطبيعة الحال يؤثر على البناء الحضاري، وترك بصمته في التجارب اللاحقة بعد الاستقرار والتوطين في ظل الدولة السعودية، وعلى هذا الأساس فإن حضور المكان والزمان في التجربة الروائية السعودية من حيث استدعاء التراث والتاريخ يعتبر حضورا تأسيسيا وتدوينيا كمرحلة أولى لمحاولة تخليد شيء من أدوات الزمن الماضي، تمهيدا لخلق حالة تراكمية حضارية وثقافية تحل بعد حين في المراحل المتقدمة، ولدينا تجارب ناضجة في هذا الإطار مثل: ثلاثية تركي الحمد، ورجاء عالم في طريق الحرير، وعصفورية القصيبي واستحضاره للمتنبي، وبروز الموروث الشعبي في رواية «قنص» لعواض العصيمي. وقد كان ذلك حضورا فيه شيء من الاعتزاز والتجذر لرائحة المكان وعبق الزمان أكثر من كونه حالة من التفكيك التراثي والتاريخي والمراجعة والموضوعية والتي تأتي مرحلة لاحقة، بالرغم من أنه «لم تعد الرواية تكوينا طيعا ذا تنام متدرج منتظم، بل تحولت الى حركة موارة تتداخل فيها الأزمنة، ويتعدد الرواة.
ويختم بالتوظيف الفني وتوظيف التراث والتاريخ لصالح القضايا المعاصرة قائلا: هذا ليس بالضرورة أن يكون من أدوار الرواية، فمهمة الروائي تكمن في تسليط بعض الأضواء على المكان والزمان والشخوص في سردية فنية تتعالى على النقد المباشر أو تحديد موقف ما، فهي تحاول استكشاف زوايا خافية واستكناه خبايا نفسية تساعد المتلقي على صياغة وجهة نظره وتوجيه سلوكه، وتبقى في نهاية الأمر قضية الاستفادة من تجارب الآخرين من خلال إسقاط التجارب السابقة والاستفادة منها في تجارب أخرى متماهية قد تتكرر في أي زمن في بوتقة وحدة التجربة البشرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق